الرأي

الديموقراطيون الأحرار

علي المطوع
في عام 2004 أقرت انتخابات مجلس الشورى في قطر، ومنذ ذلك الحين وهذا القرار يجدد من حين إلى حين، ولعل من الطرائف المشهورة، قول إحدى الدبلوماسيات القطريات إن سبب تأجيل ديموقراطيتهم طوال هذه السنين يعود إلى أن بعض الجيران ليست لديهم الرغبة في إتمام هذا الإجراء التشريعي داخل قطر، في المقابل لم تتحرك مفاهيم السيادة ومتلازماتها عند صانع القرار القطري لتثبت للداخل والخارج - في هذه النقطة تحديدا - أنهم دولة ذات سيادة ولا يسمح لأحد أن يمسها فضلا عن مصادرتها.

في المقابل تضج وسائل الإعلام الممولة قطريا بحق الشعوب العربية في الحياة الديموقراطية وبحقها في اختيار أنظمة الحكم التي تناسب الدوحة طبعا قبل أن تناسب تلك الشعوب، وهنا نلحظ التناقض الذي يفسر المسلك القطري في كل أوضاعه السياسية، والتي تجعله يقول الشيء ويؤمن بنقيضه، ولعل آخرها مناكفته الجيران بديموقراطيته المزعومة المفرغة من كل صورها واصطلاحاتها الحسنة.

الديموقراطية شعارات براقة ومفهومها الذي يعني حكم الشعب لنفسه كما يعرف الجميع، يظل مجرد شعار استغله البعض لنشر الفوضى والخراب في المجتمعات، خاصة العربية.

التاريخ وسياق أحداثه يثبتان أن الغرب وجيوبه الشيطانية في المنطقة لا يريدون لهذه الشعوب استقرارا ولا تنمية ولا ازدهارا، بل إن الحد الأدنى من الحياة الكريمة صادرته مشاريع الشرق الأوسط الجديد والمبشرون بالديموقراطية، والتي كانت إرهاصا لما عرف لاحقا بفوضى الربيع العربي.

أحترم رأي دكتورنا الغذامي عندما يقول إن العرب جاهزون للديموقراطية وأختلف معه، فالعرب يختلفون في أشياء كثيرة عن البلاد التي نشأ فيها مثل هذا المصطلح، ولعل أحداث مجلس الأمة الكويتي الأخيرة تصادق على قولي هذا، مع العلم أن الكويت رائدة في هذا المجال، ولكن التجاوز الذي شاهدنا بعض صوره يعكس هشاشة في مفهوم الممارسة والتطبيق والواجبات والحقوق.

فالاستجوابات وتعطيل الحكومات ومن ثم إسقاطها أصبحت متلازمة من متلازمات الديموقراطية في الكويت، وهذا أدى إلى تعطيل المجلس مرتين سابقتين، بعد أن رأى صاحب القرار أن الممارسة تفضي إلى مساوئ لا تقتصر على الحكومات، بل سيصل أذاها وتأثيرها إلى الدولة ومفاهيمها ورموزها، والتي ستنعكس على الحياة بمجملها وجودتها واستقرارها.

مشهد الشجار الذي دار في المجلس الذي تناقلته وكالات الأنباء كان بسبب ما يعرف بقانون العفو، والذي يطالب فيه بعض الأعضاء بالعفو عن بعض الذين اقتحموا المجلس عام 2011، وبعض المحكومين في بعض القضايا الأمنية الأخرى. الغريب أن المشهدين تم احتواؤهما عن طريق تدخل (العسكر) الذين كانوا هم الملاذ الأول والأخير الذي لاذت به الديموقراطية تحت قبة برلمانها العتيق وسيادته المحترمة وممارساته المغلوطة.

الديموقراطية كتعريف وممارسة في بعض الأنحاء شيء تتمناه الشعوب وتهفو إليه، لكنه في الحالة العربية حق يراد به تسلط ناعم من نوع جديد لفئات صغيرة، فالتجربة تؤكد أن الديموقراطية ليست سوى شعارات ينفذ من خلالها المؤثرون مجتمعيا إلى مراكز صنع القرار، محملين بثقافة إقصائية بعيدة كل البعد عن الوعود التي قطعوها على أنفسهم للناخب المسكين الذي زفهم إلى تلك البرلمانات الكلامية، والتي تختلف على كل شيء وتؤمن فقط بشرعية الديموقراطية (الكلامية) كوسيلة سيئة لغاية أسوأ تضمن لهم حضورا وتنفذا وبقاء كسلطة تشريعية، أقصى ما تمارسه من حريات التعبير الكلام الإنشائي، ومن العدالة أن ممثليها سواسية في حضورهم، نسخ مكررة تحت قبة ما يعرف تجاوزا بالبرلمان العربي.

@alaseery2