الرأي

للبيع.. أرواح مستعملة..!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
أظن ـ سامحني الله ـ أن كثيرا من الخلق يعتقد أن «الروح» مجرد خرافة لا وجود لها، أو فلنقل بطريقة أقل صدامية إنه لا يعير وجودها أي اهتمام لأنه لا يراها، والناس يسيرون بسرعة نحو الطريق المنحدرة التي توصلهم إلى الإيمان الكامل بفكرة أن ما لا تراه غير موجود، وما لا يعود عليك بنفع مادي لا قيمة ولا ضرورة له. صحيح أنه لا أحد يقول ذلك بشكل مباشر ـ على حد

علمي ـ لكن كل ما يفعله ويقوله يؤدي إلى هذا الاستنتاج.

تسخيف الروحانيات وتعظيم شأن الماديات والإيمان بأن الحضارة هي فقط ما تنتجه المصانع، وأن الحديث عن الروح ليس أكثر من دروشة؛ كلها أمور تشير بوضوح إلى ذلك الإيمان الخفي بأن الروح من الكماليات. وبما أنه لا يمكن بيعها وقبض ثمنها أو شراؤها من السوبر ماركت فهي شيء لا معنى له.

الجميع سيعرف الحقيقة يوما ما حين تخرج هذه الروح المهملة من الجسد، وسيعرفون أنها لم تكن مجرد «اسم» لشيء لا وجود له، لكن حتى ذلك الحين فإنه من الضروري أن نصرخ بأعلى صوتنا، ونقول إن الحياة ليست مجرد ماديات فقط، وإن الإنسان لديه احتياجات كثيرة ومهمة لا يمكن الحصول عليها من تطبيق تسوق، أو من على رفوف المحلات. الصراخ في حد ذاته علاج جيد للتكيف مع الوضع والتأقلم حتى إن لم يسمعنا أحد.

وبمقاييس التقدم «الملموس»، هذا العصر يمثل قمة ما وصل إليه الإنسان من صناعة وبناء. وبمقاييس بناء ما لا يرى بالعين المجردة فإنه قاع ما وصل إليه من انحطاط.

أقرب للمنطق أن يكون التقدم العلمي والتقني والعمراني محفزا للكائن البشري لكي يؤمن بإنسانيته، لكن الملاحظ أن الشوفينية والعنصرية اللتين يفترض أن الإنسان قد تركهما وراء ظهره في أزمنة غابرة أصبحتا تنتشران وتتفشيان بشكل متزايد، والعنصرية أحد أعراض مرض الجهل، لذلك يستغرب أن تصبح واحدة من أبرز سمات «التحضر».

وعلى أي حال..

يقلقني الفساد الروحي الذي يجتاح العالم، ليس لأني حريص على أن يكون الإنسان إنسانا، وأن يساعده علمه في بناء روحه، كل ما في الأمر أني أخاف أن يؤدي هذا الفساد المتسارع إلى انهيار كوكب الأرض قبل أن تتحقق أحلامي، والغريب فعلا أن أحلامي في مجملها تتعلق بالمادة. وكلها تدور في فلك أشياء أريد أن ألمسها بيدي، أو أجدها في حسابي البنكي.

agrni@