كشف معهد الولايات المتحدة الأمريكية للسلام عن زيارة سرية قام بها قائد الحرس الثوري الإيراني الجديد إسماعيل قآاني إلى مقاطعة باميان في أفغانستان، وسط تكهنات بأنها ربما تأتي في إطار الترتيب لضرب المصالح الأمريكية في البلد الذي يستضيف 14 ألف جندي أمريكي، وتخريب عملية السلام المتوقعة بين أمريكا وطالبان.

وفيما عبر المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم المتزايد بشأن الأنشطة الإيرانية في أفغانستان، تزايدت التوترات المتصاعدة بين واشنطن وطهران في أعقاب الضربة الجوية المركزة التي أنهت مسيرة الرجل الثاني في إيران، قاسم سليماني.

وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن إيران تدعم الجماعات المسلحة الموالية لها، وتسعى إلى تقويض عملية السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، وفي الوقت نفسه حذر قائد أمريكي رفيع المستوى في المنطقة من أن الأعمال الإيرانية في أفغانستان تشكل خطرا على حوالي 14000 جندي أمريكي منتشرين هناك، بحسب تقرير من معهد الولايات المتحدة للسلام.

تورط طهران

تورطت إيران مع عدد كبير من الميليشيات المسلحة الموالية لها في منطقة الشرق الأوسط على مدار العقود الأربعة الأخيرة منذ اندلاع الثورة الخمينية، إذ حشدت مقاتلين متحالفين مع حركة طالبان التي تحارب أمريكا واحتفظت بعلاقات قوية معها.

وفي حين أن الأساس المنطقي لمثل هذا التأثير يبدو واضحا، إلا أن كيفية استخدامه، خاصة في أعقاب مقتل سليماني أقل وضوحا، ففي هذه البيئة المتقلبة تمتلك طهران عددا من الأدوات المتاحة لتحقيق النتيجة المفضلة لها، والتي تتراوح بين تخريب عملية السلام التي تهدف إلى تسهيل الانسحاب الأمريكي، إلى تنظيم هجمات إرهابية على الأمريكيين ومصالحهم في جميع أنحاء البلاد تقريبا.

وفي حين أن قدرة إيران على إثارة المشاكل أمر مثير للقلق، فإن استراتيجيتها الشاملة من المرجح أن تسير في الاتجاه الآخر، وبالتالي، فإن المسار الأكثر ترجيحا لإيران وقوة القدس التابعة للحرس الثوري والتي قادها سليماني هو بناء قوة بهدوء داخل أفغانستان.

ومع ذلك، إذا تباطأت عملية السلام أو تصاعدت تهديدات الولايات المتحدة ضد إيران، فقد وضعت طهران الأساس لضرب المصالح الأمريكية عبر حدودها الممتدة على مسافة 500 ميل مع أفغانستان، ورفع تكلفة الانتشار الأمريكي في البلاد بشكل كبير.

رشوة وضغوط

على مدار عقود أربعة ماضية قدمت إيران الدعم المالي والعسكري للفصائل الأفغانية التي كانت تقاوم الغزو السوفيتي لأفغانستان، في المقابل استعانت طهران بالمقاتلين الأفغان في حربها الطويلة مع العراق على مدار 8 سنوات، وحشدت المقاتلين الشيعة الأفغان للعمليات الإرهابية الخارجية، ودعمت مقاتلي طالبان بالأموال والتدريب والأسلحة.

ومنذ عام 2001 مارست نفوذا لافتا على السياسة والاقتصاد والأمن في أفغانستان، وصاغت الرواية العامة لصالح إيران من خلال التجارة والرشوة والضغوط السياسية.

وبذل فيلق القدس جهدا كبيرا لاستمالة الفصائل الأفغانية، وهي وحدة النخبة في الحرس الثوري التي أنشئت عام 1980 في وقت مبكر من الحرب الإيرانية العراقية، واعتبرتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، وكان هدفها ولا يزال توسيع النفوذ الإيراني في جميع أنحاء البلدان المحيطة، حيث قامت بتجنيد وتوفير التدريب العسكري لآلاف الشباب الشيعة من أفغانستان وباكستان ولبنان والعراق وسوريا واليمن والأراضي الفلسطينية، وحشدتهم كوكلاء لتعزيز المصالح الإيرانية وحمايتها وتعزيز نفوذها.

لاجئون ومهاجرون

شكلت قوة القدس في سوريا على سبيل المثال لواء الفاطميين لدعم النظام في الحرب الأهلية في البلاد، وبات واحدا من ميليشيات عدة مقاتلة، وتم تجنيد غالبية الرجال «الفاطميين» في إيران من بين اللاجئين والمهاجرين الأفغان الذين جعلهم وضعهم الاقتصادي والقانوني عرضة للإكراه. وفي عام 2018 كانت الهزارة والطوائف الشيعية الأخرى تمثل غالبية أفراد القوات المسلحة الأفغانية البالغ عددهم 50 ألف فرد.

وتستضيف إيران حوالي مليون لاجئ أفغاني مسجل، ومليونا آخر بصورة غير شرعية، إضافة إلى نصف مليون حامل جواز سفر أفغاني يحملون تصاريح عمل إيرانية. ومن المقدر أن حوالي مليون أفغاني عادوا من إيران عام 2019.

زيارة سرية

في اليوم نفسه الذي قتلت فيه الغارة الأمريكية سليماني، قام المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بتعيين الجنرال إسماعيل قآاني قائدا جديدا لقوة القدس، وشغل الأخير منصب نائب سليماني، وتولى الكثير من العمليات اليومية للوحدة، وكان مسؤولا إلى حد كبير عن الإشراف على العمليات الإقليمية في أفغانستان وأماكن أخرى.

ومثل سلفه، فإن قآاني لديه روابط مهمة مع أفغانستان، وفي الشهر الماضي أكد حاكم باميان، طاهر ظهير، أن القائد الجديد لفيلق القدس زار مع 8 إيرانيين آخرين المقاطعة سرا. ووفقا لطاهر فإن قآاني يمثل «نائب سفير إيران في كابول» باستخدام الاسم المستعار «الإسماعيلي» كاسم أخير.

وقال إنه ذهب للإشراف على بناء مستشفى تموله إيران. وتعتبر مقاطعة باميان في وسط أفغانستان هي المنطقة الأصلية لمعظم أفراد ميليشيات الفاطميين الأفغانية، ولا يوجد لدى وزارة الخارجية الأفغانية سجل في عمل قآاني في البعثة الإيرانية في كابول، وتقوم حاليا بالتحقيق في الزيارة.

بداية الصدام

بين عامي 1996 و2001 نظرت إيران إلى نظام طالبان باعتباره تهديدا أمنيا ودعمت حكومة الرئيس المخلوع برهان الدين رباني، وزودت طهران التحالف الشمالي المناهض لطالبان بشبكة من الوكلاء في شمال ووسط أفغانستان، فضلا عن المساعدات المالية والعسكرية التي شملت الأسلحة والمستشارين.

وضربت علاقة إيران مع نظام طالبان في أغسطس 1998، عندما غزت الحركة مدينة مزار الشريف الشمالية، وداهمت القنصل الإيراني وقتلت ثمانية دبلوماسيين إيرانيين ومراسلا إيرانيا واحدا، وردا على ذلك أرسلت إيران قوات إلى الحدود الأفغانية وسط تصاعد الحديث عن الحرب، وفي هذه الأثناء تم إرسال ضباط قوة القدس إلى أفغانستان لتدريب وتنظيم الوكلاء المناهضين لطالبان، تحت إشراف سليماني وقآاني.

زواج المصلحة

بعد الإطاحة بنظام طالبان لعبت إيران في البداية دورا بناء من خلال دعم محادثات بون 2001 التي أنشأت الحكومة الانتقالية وقدمت مساعدة مالية للنظام الجديد، وتزامن هذا التعاون مع خطاب الرئيس جورج بوش عن «محور الشر» في أوائل عام 2002 والغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، واستعيض عنه بالمنافسة الأمريكية الإيرانية للسيطرة على النخبة الجديدة في كابول. ودفعت إيران مبالغ نقدية غير محددة إلى الرئيس حامد كرزاي ووزرائه وغيرهم من المسؤولين، وكذلك البرلمانيين لمواجهة النفوذ الأمريكي.

وبحلول عام 2009 برزت أدلة على أن إيران تتجنب أي خطوات علنية أو دراماتيكية في أفغانستان، فقد كانت تحوط خياراتها بصورة أكثر شمولا بدعم عسكري لجماعات طالبان في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد، في نوع جديد من زواج المصالح.

وسلط بومبيو الضوء على تلك العلاقات في 7 يناير عندما اتهم إيران بدعم الجماعات المسلحة في أفغانستان، بما في ذلك طالبان.

حرب بالوكالة

بات القادة الميدانيون لطالبان، وخاصة أولئك الذين يعملون في جنوب غرب أفغانستان، والذين عملوا مع إيران في الماضي، أكثر عرضة للضغط لاستهداف القواعد والمصالح الأمريكية، إذا ما سارت طهران في هذا الاتجاه، والوكلاء الآخرون هم لواء الفاطميون وقادة جهاديون سابقون.

وتفضل العقيدة العسكرية الإيرانية عموما توظيف وكلاء في حرب غير متكافئة على أي مواجهة تقليدية، لأن استخدام وكلاء، مثل الجماعات الانفصالية في ميليشيات طالبان أو الفاطميين، من شأنه أن يجنب خطر الصراع المباشر مع الولايات المتحدة، وهو أمر تجنبه النظام بعناية.