الرأي

الواجهة الأولى للأغنية السعودية.. طارق عبدالحكيم

جعفر الكاف
تكمن أهمية مطلع الثلاثينات من القرن العشرين في التحول الكبير الذي شهدته آنذاك، كونه بداية إطلالة الأغنية السعودية الحديثة، وتحررها وانتقالها من واقعها البدوي إلى شكل حديث معاصر.

فمع ظهور العميد طارق عبدالحكيم نحا الفن السعودي منحى آخر، فقد كان العنصر الأهم في مسيرة الأغنية السعودية، بحيث أخرجها من زواياها الضيقة إلى آفاق عربية أكثر رحابة واتساعا.

وقد شهد الشعب السعودي مراحل التطور السريعة للأغنية، فبعد المؤتمر الموسيقي الأول الذي أقيم بالقاهرة عام 1932 وزيارة الملك عبدالعزيز رحمه الله لمصر عام 1946، تشكلت هنالك بوادر فنية لولادة جديدة للموسيقى السعودية، وخروجها من الغرف المغلقة والأقبية إلى الهواء الطلق والعلن، خاصة مع ظهور آلة الجراموفون أو الحاكي، بأسطوانته الشمعية السوداء، وهذه كانت الانطلاقة الحقيقية لبداية النهضة الفنية بالمملكة العربية السعودية.

يقول المفكر الدكتور عبدالله مناع إن العميد طارق عبدالحكيم هو المؤسس الحقيقي للموسيقى في المملكة العربية السعودية، وإنه كان امتدادا لنجوم سبقوه في الموسيقى والغناء كحسن جاوة وغيره، إضافة إلى وجود بيئة حاضنة كانت تبحث عمن يقودها.

وقد كان لتأسيس المعهد الموسيقي الأول للجيش السعودي في الطائف، اللبنة الأولى في نشوء حركة التغير نحو التحديث والمعاصرة، فكانت تلك المرحلة منطلق الأصالة، لبناء مسار فني سعودي، لحقها بعد ذلك حركة في الشارع الفني آنذاك، لخلق أنماط جديدة انتقلت من السياق الموسيقي والغنائي القديم إلى آخر جديد حولها إلى ظاهرة جماعية، خاصة مع تزايد عدد المطربين والموسيقيين.

وقد كان لأغنية «يا ريم وادي ثقيف» التي هي من كلمات الأمير عبدالله الفيصل، الانطلاقة الأفضل للعميد طارق عبدالحكيم، إذ كان هو المغني الأول لها، والتي لاقت نجاحا واسعا حينها على الصعيد العربي، حيث غنتها المطربة نجاح سلام، وهيام يونس والراحل طلال مداح وغيرهم كثير، وكانت الأغنية تتميز بأداء منغم، ومواصفات فنية دقيقة.

كما كان أبرز الأسماء العربية التي تعاون معها العميد طارق، وديع الصافي في أغنية «لا وعينيك»، والفنان فهد بلان في أغنية «محبوب قلبي»، والفنانة هيام يونس في أغنية «تعلق قلبي طفلة عربية»، وسميرة توفيق في أغنية «أشقر وشعره ذهب» التي كان لها جمهورها الواسع داخل وخارج المملكة، وكان يتلقى تلك النتاجات الموسيقية ويتفاعل معها بما لا يدع للشك بكفاءة الأغنية السعودية التي أصبحت جزءا مهما في منظومة الموسيقى العربية.

وكانت جهوده الموسيقية محل تقدير واهتمام من الجميع، بدءا من الحكومة السعودية حتى المحافل العالمية، إذ حصل على جوائز عدة في حياته، منها جائزة اليونسكو للموسيقى عام 1981، ووسام الاستحقاق من الدرجة الثانية في عهد الملك فهد رحمه الله، وانتخب رئيسا للمجمع العربي للموسيقى عام 1983 و1987م.

توفي العميد بالقاهرة في 21 فبراير 2012، عن عمر ناهز 91 عاما، شكل فيها ركيزة للموسيقى والفن داخل المملكة العربية السعودية وللوجدان الخليجي والعربي بشكل عام، وترك لنا إرثا كبيرا نتعايش معه حتى اللحظة.