الرأي

نبش قبر المنطق..!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
سمعت عن قصص الانتقام، وقرأت عن بشاعة التعذيب، وشاهدت أفلام رعب وأفلاما مليئة بالدماء والقتل والدمار، وقرأت عن التتار والمغول وهولاكو وجنكيز خان والإسكندر وهتلر وموسيلني، وكل طغاة الأرض عربهم وعجمهم الأحياء منهم والأموات.

وشاهدت جرائم الصهاينة شذاذ الآفاق. وأصبح لدي تصورات كاملة عما يمكن أن يفعله شخص ناقم حاقد مريض بعدوه حين يظفر به. لكن الحقيقة أني تفاجأت ـ قليلا ـ بأن تصوراتي ناقصة وليست كافية لمعرفة كيف يمكن أن يتحول الإنسان إلى المخلوق الأكثر بشاعة وافتقارا للمنطق. شاهدت مقاطع مصورة لجنود تابعين لنظام الطاغية الأهبل في سوريا وهم ينبشون القبور ويسخرون من الموتى ويشتمون رفاتهم.

والحق أني سمعت عن قصص مثل هذه في التاريخ، لكني كنت أوهم نفسي أنها من مبالغات رواة التاريخ التي لا بد من وجودها.

وإن كنت أستغرب كمية الحقد حتى على الأموات فإني لست أستغرب من جيش كهذا تابع لنظام كهذا أن يكون بشعا معدوم الكرامة والإنسانية، لكني أسأل نفسي أحيانا: ما هي معايير القبول في هذا العالم؟ وكيف يتقبل العالم وجود نظام كهذا ويدافع عنه أو على الأقل يتغاضى عن المجازر التي يرتكبها؟ كيف يريد مني العالم أن أتعاطف مع جرائم الهولوكوست أو أي جرائم إبادة جماعية أخرى حصلت في التاريخ، ويجرمني بناء على تعاطفي من عدمه، في الوقت الذي تحدث أمامه مجازر أكثر شناعة ودموية وموثقة بالصوت والصورة، ويغض الطرف عنها وكأنها لم تحدث؟ لماذا يجب علي أن أتعاطف مع ضحايا لم أشاهدهم وأنت في الطرف المتحضر من الكوكب لم تتعاطف مع ضحايا تشاهد صورهم وهم يقتلون ويعذبون ويشردون ويلاحقون حتى في قبورهم؟!

هذا العصر هو جنة المنافقين، إنه أزهى عصور النفاق منذ بدء الخليقة حتى لحظة كتابة هذا المقال، إنه العصر الذي اغتيل فيه المنطق، العصر الذي يمكن أن تختلق فيه الأكاذيب التي لا يراها الناس لتكون قضيتهم الأولى، وطمس ما يرونه بأعينهم ليكون قضية ثانوية لا تهم أحدا، تابع ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ ما كتب في وسائل الإعلام عن قضية اختراق هاتف مالك أمازون، وما يكتب عن جرائم بشار والإيرانيين وملحقاتهم في إدلب وفي سوريا عموما. ستجد أن البوصلة معطلة وأن الحقيقة ليست الغاية.

وعلى أي حال..

أكثر الناس على هذا الكوكب سعادة بما يفعله بشار وأمثاله وأشباهه هم الصهاينة، لقد تسللوا من خلال هؤلاء «المقاومين» إلى عقولنا، وأصبحنا نتقبل وجودهم ونراهم رحماء حين نقارنهم بمن يدعي مقاومتهم، أصبح الحديث عن الأخ المسلم أو العربي الذي يشرد حيا وينبش قبره ميتا؛ حديثا مشبوها قد يكون له تبعات، أصبح من المحرج حقا حتى أن تشتم إسرائيل، لأن أكثر من يشتمها هم بشار وإيران والحوثيون الذين يفوقونها إجراما ودموية ونذالة.. وفي كل شر.

agrni@