الرأي

إعلام «يقدح» من أرضه!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
نتفق ـ إلا نفرا قليلا ـ على أن المنطقي والمعقول والمقبول هو أن يكون إعلام كل دولة يبث من أراضيها، وفي الحقيقة أني لا أعلم أن دولة من دول العالم الأول أو الثاني أو الثالث أو حتى ما بعد ذلك في التقسيم الطبقي للدول في قائمة عوالم هذا الكوكب، تبث قنواتها وتصدر صحفها من خارج حدودها. وأن الاستثناء الوحيد ـ على حد علمي القاصر ـ في مجرة درب التبانة هو الإعلام السعودي. حتى في العصور الغابرة حين كان الشعر هو وسيلة الإعلام الوحيدة لم يكن مستساغا أن يكون شاعر القبيلة يسكن في قبيلة أخرى، وقد قلت هذا كثيرا بصوت مرتفع ثم همسا وقلته في الصحف وفي وسائل التواصل ثم في استراحة شلتنا، ثم إني حين عقدت العزم على أن أكتب هذه المناشدة في وصيتي أتى الفرج ورأيت توقيع وزير الثقافة لعقد إنشاء مدينة إعلامية ضخمة في مدينة الرياض، صحيح أني لم أفهم لماذا يفعل وزير الثقافة وليس وزير الإعلام، لكنه ليس من الضروري أن أفهم، فهذا الخبر سار وجميل ومحرض على الفرح والابتهاج والاحتفاء حتى لو أن من وقع الاتفاقيات هو وزير الزراعة. هذه تفصيلة غير مهمة لا داعي للتوقف عندها.

المملكة العربية السعودية تستحق ما هو أكثر من ذلك، بلد غني بثقافته وتراثه وأصالته وتاريخه الحقيقي يجب أن يقدم للعالم بطريقة يستحقها، ويستحق إعلاما أفضل وأقوى وأكثر مصداقية وتأثيرا، وأول أحرف المصداقية هي أن يكون الإعلام الذي يمثل هذا الوطن ينطلق من أراضيه، لا يمكن أن أتفهم كيف يمكن أن أتغزل بالسعودية والسعوديين ليلا ونهارا وأنا أعيش خارجها وأكره العودة إليها، والحديث هنا عن الإعلام تحديدا. سيبدو الأمر غريبا حين أقول بأن السعودية هي أفضل بلد في الكون ولكني أفضل الحياة خارج حدودها.

هذه فكرة تبدو بدهية وسهلة على من سهلها الله عليه، وأولى خطواتها أن تكون السعودية هي المكان الذي يبث منه الإعلام السعودي، أما ماذا سيحدث مستقبلا وما هو المأمول من المدينة الإعلامية فهذه أمور نتفق ونختلف حولها، يمكن أن نرفع سقف أحلامنا كما نشاء، ويمكن أن نبقى على الحياد بين التفاؤل والتشاؤم، بعد أن تصبح المدينة واقعا يمكن حينها أن نقول إنها تقوم بعمل عظيم في صناعة الإبداع، ويمكن أن نقول إنها لم تفعل ما هو مأمول منها، يمكن أن نمتدحها أو ننتقدها، كل ذلك ممكن ومتاح ويؤخذ فيه ويعطى، إلا أن مسألة وجودها أمر حتمي لا أظن أن الخلاف حوله أمر مستساغ.

وعلى أي حال..

فالإعلام ـ كما تشاهدون وتسمعون وتقرؤون ـ هو أكثر الأسلحة استخداما في هذا العصر، وأفضل ما يمكن فعله لتصحيح الأوضاع المتردية إعلاميا هو الاعتراف بالمشكلات، وقليل من الصراحة مع النفس، ثم التخفيف قليلا من تعاطي الوهم ومشاهدة الأمور من الأعلى ثم تصحيح الأخطاء وحل المشكلات، وليس تبريرها. التبريرات غالبا لا يصدقها أحد، حتى الذين يتظاهرون بأنهم يصدقون.

agrni@