الرأي

إني رأيت إحدى عشرة هيئة!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
مع أني أحب الفوضى كخيار شخصي، إلا أني لا أحبها كخيار للآخرين، ولا أعرف ماذا تسمى هذه الحالة النفسية، لكنها موجودة على كل حال. يمكن القول بأني أحب المنظمين ولست منهم.

والعمل المؤسساتي الواضح المعالم هو أعلى درجات التنظيم التي يريد المواطن أن يتعامل معها. حتى المواطنون الفوضويون أمثالي يحبون أن تكون السبل واضحة المعالم أمامهم.

ومع أن الهيئات قد كثرت حتى إني لم أعد أعرف عددها، ناهيك عن أسمائها، وأتخيل لو أني كنت مكان وديع الصافي في مسرحية «سهرة حب» وسألتني فيروز: وإنتَ من وين؟ فإني سأجيبها: أنا من بلد الهيئات... إلخ.

لكن مع ذلك، فالحقيقة أني لا أخفي سعادتي بقرار مجلس الوزراء بالموافقة على إنشاء إحدى عشرة هيئة تشرف عليها وزارة الثقافة، (الأدب والنشر والترجمة، والمتاحف، والتراث، والأفلام، والمكتبات، وفنون العمارة والتصميم، والموسيقى، والمسرح والفنون الأدائية، والفنون البصرية، وفنون الطهي، والأزياء).

والمأمول ـ والمتوقع أيضا ـ أن تكون هذه الهيئات أوعية تحتوي هذه الأنشطة وتساعد في إحداث نقلة نوعية في هذه المجالات الثقافية. وسأحاول أن أبتعد عن ظنوني السيئة بأن تصبح هذه الهيئات أدوات رقابية إضافية، وخاصة في المجال الذي أفهم فيه ـ قليلا ـ وهو الأدب والنشر والترجمة.

وإن كنت أظن أن الترجمة وحدها تحتاج هيئة مستقلة، مستقلة حتى عن وزارة الثقافة، لأني كنت ولا زلت مؤمنا بأن حركة ترجمة حقيقية تتبناها الدولة هي خطوة مهمة في بناء الحضارات، هكذا يقول التاريخ وتصدقه الجغرافيا. كل حضارات الدنيا كانت نقطة انطلاقتها هي الاستفادة من حضارات أخرى وترجمة معارفها، ولم تنشأ حضارة وتسود العالم ـ حسبما أعلم ـ لأنها تعلمت لغة حضارة أخرى.

إلى هذه اللحظة لا أعلم كيفية عمل هذه الهيئات، وهل ستكون شيئا يشبه «النقابات» لهذه المجالات الإبداعية، أم إنها مرجع حكومي يصدر الموافقات. ولكن وجود هذه الهيئات في أسوأ تصور لما ستقوم به أفضل من عدم وجودها، والسعودية بلد عظيم ظُلمت حضاراته وثقافته وتراثه كثيرا. ومأسسة الثقافة لا شك عندي أنها ستكون الخطوة الأهم في إثراء الحياة على هذا الكوكب بحضارة وثقافة أصيلة. أحلم أن تكون هذه الهيئات معززة لفكرة تصدير الثقافة وليس استيرادها. العالم لن يأتي إلينا ليشاهد الأشياء التي يعرفها، ولكن ليتعرف على شيء جديد وثقافة جديدة، أول خطوة لإقناع العالم بها هي أن نحترمها نحن ولا نخجل منها.

وعلى أي حال..

بالنسبة للذين لا تعجبهم مثل هذه القرارات ويرون أنها لا تلامس احتياجات المواطن فلعله من المهم أن يتنبهوا لنقطة ربما لم ينتبهوا لها في غمرة انشغالاتهم، وهي أننا نتحدث عن وزارة الثقافة، ولا أعتقد أن من ضمن مهامها توفير السكن أو الاستعداد لمواجهة كورونا، ولا اختيار تشكيلة المنتخب.

agrni@