وجهان لعملة واحدة: تنمية «التحفيز الاقتصادي» وتجويد «متعة المشائين»
الاحد / 8 / جمادى الآخرة / 1441 هـ - 20:15 - الاحد 2 فبراير 2020 20:15
عزيزي القارئ قبل أن نستهل هذا المقال، يجب أن نتفق سويا حول طبيعة التنمية الحضرية للمدن التي لا تحصل إلا عندما يتم جلب وتنفيذ استثمارات اقتصادية استراتيجية متكاملة في الأماكن الحضرية التي ترتكز وتتكامل فيها عناصر جذب المشاة والمشائين، الراغبين في أكبر قدر ممكن من الاستمتاع. فالمدن ذات النمو الصحي والمستدام وذات الرواج الاقتصادي الذاتي المصنفة من أفضل 100 مدينة في العالم، خاصة في قرن الألفية الثالثة، تعتمد تنميتها في معظمها بشكل فعلي على تفاعل مجتمع رجال الأعمال المستثمرين الأثرياء في مدنهم، وذلك عبر عمليات التحول الحضري. وسوف أختصر هذه المقالة هنا باستعراض أحد أنجح الأمثلة التنموية «التحفيزية» لأحد أبناء المجتمع الأمريكي من المستثمرين الأثرياء الذين ارتقوا بجودة مدينتهم بعطاء ودهاء.
في بداية عام 2017 أزيح الستار عن أحد مشاريع التطوير لمدينة ديترويت التي تبناها رجل الأعمال الأمريكي (دان غيلبرت) أحد سكان مدينة ديترويت، وهو شخصية إعلامية مرموقة أمريكيا ومصنف كأحد أثرى ملاك الأندية الرياضية حول العالم، إذ يملك فريق كليفلاند كافالييرز لكرة السلة. وهو كذلك الشريك والمؤسس لبورصة الاستثمار والتمويل «ستوك إكس» ومالك شركة الرهن العقاري العملاقة «كويك إن لونز».
ففي عام 2008 استثمر دان غيلبرت نحو ثلاثة مليارات دولار لتطوير وسط مدينة ديترويت، من خلال أربعة مشاريع عملاقة استطاعت أن تبعث للوجود ما يصل إلى 24000 فرصة عمل لأبناء كليفلاند، خاصة ديترويت، ما بين 15000 وظيفة بناء مؤقتة و9000 وظيفة دائمة. وللعمل على تطوير خط أفق جديد لسماء المدينة، اتبع غيلبرت استراتيجية تعتمد إعادة إنشاء أماكن حضرية تجذب المشاة بشكل عام والمشائين بشكل خاص من جميع أطياف المجتمع، والزوار والسياح، وذلك بقصد تمكينهم أكثر ما يمكن من الاستمتاع بالمشي فيها.
وقد شارك غيلبرت مدينة ديترويت كإحدى إمبراطورياته الاقتصادية نوعا من المقامرة من خلال الحصول على قرض في رحاب مدينة تمر بحالة إفلاس مؤكدة. وقد حذره الخبراء الماليون وخبراء الضرائب من هذه الخطوة، نظرا لاطراد تدهور وضع المدينة الاقتصادي، ولكن رغم ذلك تعنت غيلبرت، حيث إن مغامرته آتت ثمارها في نهاية المطاف من خلال شرائه المزيد والمزيد من العقارات التي أُعلن عنها في وقت لاحق كإحدى أكبر صفقات التطوير العقاري النوعي للمدينة على مر تاريخ ديترويت.
وفي هذا السياق تحديدا، استطاعت إحدى شركات غيلبرت - روك فينتشرز - الاستحواذ على أكثر من 95 مبنى وإعادة تأهيلها هيكليا ونوعيا وصناعة فرص عمل أدت إلى توظيف أكثر من 15 ألف وظيفة للسكان المحليين، الذين أصبحوا فخورين بالطفرة الاقتصادية النوعية الجديدة التي شهدها بالمناسبة مركز مدينتهم.
وهكذا أصبحت «روك فينتشرز» تمتلك أكثر من ربع عقارات مركز المدينة التي أصبحت فراغاتها العامة المفتوحة تشكل حلقة عبور للمشاة وللمشائين من سكان المدينة، ونقطة جذب ومزارا للسياح والزائرين للاستمتاع بالمشي والجلوس والتسوق واللعب، وتناول الوجبات في مقاهي الأرصفة والاستجمام ترفيهيا واجتماعيا واقتصاديا.
وقد اتبع غيلبرت استراتيجية الاستثمار في الأماكن الحضرية التي تحوي مقومات المشي سيرا، حيث يستقر فيها كثير من رواد الأموال والاقتصاد في الوظائف والسكن والفراغات العامة المفتوحة، وغالبا ما تكون أيضا نقطة العبور الذي يحفز النمو ويضيف الكم والكيف للقيمة الاقتصادية الكبيرة للمدينة.
فأخيرا، أصدر الأكاديمي عالم البيانات العقاري بجامعة جورج واشنطن (تريسي هادن لو) تقريرا يقول فيه إن ما قام به غيلبرت في مغامرته الناجحة هو الترويج لتأكيد فوائد استغلال الأماكن الحضرية الصديقة للمشائين، كمراكز حضرية متعددة الاستخدامات تتجسم من خلالها أهمية إقليمية وطنية. ويعد ذلك أكبر توجه في التنمية الاقتصادية للمدن منذ 2008، إذ دعَّم منذ ذلك الوقت إحدى أهم الاستراتيجيات الفعالة الخاصة بالمدن المفعمة بالحياة. وقد أُثبت أن هذه الاستراتيجية لا تعمل في الأماكن التي تسيطر عليها قيادة المركبات.
ويبين التقرير أن سر هذه الاستراتيجية العملية يكمن في «جدية القرار وسرعة العمل». ويذكر أيضا أن التطوير العقاري النوعي فيها يتطلب مزيدا من التخطيط واستيعاب الواقع، إذ إن عائدات هذا النوع من المشاريع ستكون أقل من المتوقع في السنوات الأولى، وبالتالي سيتطلب ذلك من رجال الأعمال المستثمرين أفقا طويل المدى، وعملا دؤوبا وصبرا طويلا. ولكن مع مرور الوقت والدعم اللوجستي من المدينة يمكن أن يحقق هذا العمل عائدات طائلة تعود على المستثمر وعلى خزينة المدينة بالرفاه. ويشير كاتب التقرير إلى أن هذا النوع من المشاريع أفرز قيمة عالية من التدفق المالي طويل الأجل، بسبب التحول الحضري الصديق للمشائين الذين من أجلهم وبفضل توافدهم، جُلبت المشاريع الريادية للمدينة.
فالمستثمرون هنا بالذات يلعبون أدوار تطوير عقاري نوعي متكاملة لتحويل مدنهم. فغيلبرت عندما بدأ أحد أصوله العقارية في الأداء، فإنه «حفز» العقارات المجاورة وتسبب إيجابيا في صعود قيمتها. وهنا يكمن عزيزي القارئ الفارق الشاسع مع الجهود الكلاسيكية التي تشهدها مدننا تحت مسمى إعادة تنشيط وسط المدينة، إذ إن استراتيجية التنمية من خلال «التحفيز» التي استعرضناها استطاعت توفير فرص عمل جدية، وليس فقط تكريس «مُتعة» الترفيه والاستجمام الحضري.
لن يتسع هذا المقال إلى سرد تفاصيل مجموعة المستثمرين الأثرياء ودورهم في استراتيجية التطوير «بالتحفيز»، إذ تتعدد في هذا الإطار قصص نجاح الاستثمار في رحاب مجموعة لا بأس بها من المدن الأمريكية، حيث انعكست على إنعاش اقتصاداتها بالإيجاب ومكنتها من التميز، وقد كان ذلك طبعا عبر مستثمرين أثرياء لم يكن الربح منطلق مناهم.
ويمكن لنا أن نستشف هنا جملة من المفاتيح الأساسية لنجاح مثل هذه الاستراتيجيات، ونبوبها كما يلي:
1. أولوية سهولة الحركة والوصول مشيا هي أحد المتطلبات الضرورية لتعزيز وخلق مكان حضري صديق للمشائين، يكون غنيا بشبكة مشاة كثيفة تحتوي على عديد من نقاط الوصل مع الشوارع المجاورة.
2. منح أولوية القيمة «الاستجمامية» والوظيفية والترفيهية للشوارع الضيقة والأزقة المتكررة، وجعلها مشاءة بنسبة 100% وتكريسها كمزار للاستمتاع بالمقاهي والمطاعم المدمجة بين أماكن الجلوس الداخلية والخارجية المحاذية.
3. تبني ثقافة تنشيط أرصفة المشاة وجعل الساحات المحيطة كأطر لـ «مسارح الشوارع» التي تشمل عادة مختلف العروض والأداء الفني والموسيقي.
4. تبني ثقافة اعتبار أرصفة المشاة «تحفا» معمارية ذات هيئة أنيقة يكون لها دور فعال في الهيكلة الجمالية والثقافية للمدن التي تحويها.
5. تحفيز الممارسات التطويرية التي تعتمد سياسة هيكلة الشوارع بمبدأ التجزئة والترابط، لأن تقليل إمكانية المشي فيها وتسطيحها يعدان من العمليات «اللا- تطويرية» نظرا لكارثية عواقبها.
ومن هذا المنبر، لا بد أن نشير إلى ضرورة أن يكون العمل تكامليا بين المستثمرين الأثرياء في هذا الإطار بالذات، مما يجعلني ألقبهم هنا أنا شخصيا بـ «مطوري النطاق الكبير»، وأن يكون هذا التكامل طبعا أفقيا لأننا سنجد مثلا مستثمرا سيعمل على ربط وإيصال الشوارع ببعضها عن طريق شبكة المشاة، وسنجد مستثمرا آخر يتبنى تطوير أثاث الشوارع على محاور الربط، وثالثا سيعمل على الغطاء النباتي للمحاور، وآخرون سيتبنون توظيف الأدوار الأرضية لوظائف نوعية. وهنالك أيضا من سيعمل على «النطاق الصغير» كصاحب المقهى مثلا الذي سيعمل جاهدا على تطوير جلسات الاستجمام لتوفير أكثر ما يمكن من الظروف الكيفية الحسية التي تتعلق بمتعة الجلوس وتناول القهوة مع الأصدقاء والعائلة، ومشاهدة الآخر في مناخ تواصلي بيئي مناسب.
وفي هذا الإطار تعد استراتيجية انخراط المستثمرين الأثرياء من أبناء الوطن برؤية ذات ثقل ملموس عصريا وتقنيا وإنسانيا، إذ تعد نقطة تحول رئيسة في إعادة تصور مفهوم المدن المفعمة بالحياة اقتصاديا وبيئيا واجتماعيا؛ مفاهيم ذات فوائد جعلتني أطلق عليها مسمى الاستراتيجية «الواعية»، لأنها تعالج قضايا وطنية مثل توظيف السكان المحليين، وهو ما نراه بالمناسبة استثمارا في الأفراد والمؤسسات المحلية، لرفع مستوى العدالة الاجتماعية التي على ضوئها تُستحدث المهارات الريادية. فاليوم تحتاج كل أنحاء الوطن إلى الجرأة في التوسع والابتكار والإبداع، ويأتي هذا النموذج الجديد للتنمية هنا متزامنا مع وقت مهم مُكرَّس للاقتصاد والمجتمع والبيئة، ضمن إطار برنامج جودة الحياة، أحد أهم برامج تحقيق رؤية 2030.
وما ذلك الثراء العائد من الاستثمار هنا إلا أكثر العناصر التي تتجلى فيها العلاقة بين الإنسان وبيئة عيشه المحيطة، حيث تتبوأ هذه الأخيرة أهمية قصوى لساكنيها الذين يحتاجونها بشدة، بقصد الاستجمام والترفيه والترويح عن أنفسهم بدنيا ونفسيا. وهنا نختم بالتسليم والتأكيد على أن مشاريع المدن الصديقة للمشائين هي أساس معظم ثروات العقارات النوعية الكبيرة، وقد تجلى ذلك تدريجيا منذ القرون الماضية ليصبح حاجة ملحة وضرورة حياتية في العصر الحالي.
@dradelzahrani
في بداية عام 2017 أزيح الستار عن أحد مشاريع التطوير لمدينة ديترويت التي تبناها رجل الأعمال الأمريكي (دان غيلبرت) أحد سكان مدينة ديترويت، وهو شخصية إعلامية مرموقة أمريكيا ومصنف كأحد أثرى ملاك الأندية الرياضية حول العالم، إذ يملك فريق كليفلاند كافالييرز لكرة السلة. وهو كذلك الشريك والمؤسس لبورصة الاستثمار والتمويل «ستوك إكس» ومالك شركة الرهن العقاري العملاقة «كويك إن لونز».
ففي عام 2008 استثمر دان غيلبرت نحو ثلاثة مليارات دولار لتطوير وسط مدينة ديترويت، من خلال أربعة مشاريع عملاقة استطاعت أن تبعث للوجود ما يصل إلى 24000 فرصة عمل لأبناء كليفلاند، خاصة ديترويت، ما بين 15000 وظيفة بناء مؤقتة و9000 وظيفة دائمة. وللعمل على تطوير خط أفق جديد لسماء المدينة، اتبع غيلبرت استراتيجية تعتمد إعادة إنشاء أماكن حضرية تجذب المشاة بشكل عام والمشائين بشكل خاص من جميع أطياف المجتمع، والزوار والسياح، وذلك بقصد تمكينهم أكثر ما يمكن من الاستمتاع بالمشي فيها.
وقد شارك غيلبرت مدينة ديترويت كإحدى إمبراطورياته الاقتصادية نوعا من المقامرة من خلال الحصول على قرض في رحاب مدينة تمر بحالة إفلاس مؤكدة. وقد حذره الخبراء الماليون وخبراء الضرائب من هذه الخطوة، نظرا لاطراد تدهور وضع المدينة الاقتصادي، ولكن رغم ذلك تعنت غيلبرت، حيث إن مغامرته آتت ثمارها في نهاية المطاف من خلال شرائه المزيد والمزيد من العقارات التي أُعلن عنها في وقت لاحق كإحدى أكبر صفقات التطوير العقاري النوعي للمدينة على مر تاريخ ديترويت.
وفي هذا السياق تحديدا، استطاعت إحدى شركات غيلبرت - روك فينتشرز - الاستحواذ على أكثر من 95 مبنى وإعادة تأهيلها هيكليا ونوعيا وصناعة فرص عمل أدت إلى توظيف أكثر من 15 ألف وظيفة للسكان المحليين، الذين أصبحوا فخورين بالطفرة الاقتصادية النوعية الجديدة التي شهدها بالمناسبة مركز مدينتهم.
وهكذا أصبحت «روك فينتشرز» تمتلك أكثر من ربع عقارات مركز المدينة التي أصبحت فراغاتها العامة المفتوحة تشكل حلقة عبور للمشاة وللمشائين من سكان المدينة، ونقطة جذب ومزارا للسياح والزائرين للاستمتاع بالمشي والجلوس والتسوق واللعب، وتناول الوجبات في مقاهي الأرصفة والاستجمام ترفيهيا واجتماعيا واقتصاديا.
وقد اتبع غيلبرت استراتيجية الاستثمار في الأماكن الحضرية التي تحوي مقومات المشي سيرا، حيث يستقر فيها كثير من رواد الأموال والاقتصاد في الوظائف والسكن والفراغات العامة المفتوحة، وغالبا ما تكون أيضا نقطة العبور الذي يحفز النمو ويضيف الكم والكيف للقيمة الاقتصادية الكبيرة للمدينة.
فأخيرا، أصدر الأكاديمي عالم البيانات العقاري بجامعة جورج واشنطن (تريسي هادن لو) تقريرا يقول فيه إن ما قام به غيلبرت في مغامرته الناجحة هو الترويج لتأكيد فوائد استغلال الأماكن الحضرية الصديقة للمشائين، كمراكز حضرية متعددة الاستخدامات تتجسم من خلالها أهمية إقليمية وطنية. ويعد ذلك أكبر توجه في التنمية الاقتصادية للمدن منذ 2008، إذ دعَّم منذ ذلك الوقت إحدى أهم الاستراتيجيات الفعالة الخاصة بالمدن المفعمة بالحياة. وقد أُثبت أن هذه الاستراتيجية لا تعمل في الأماكن التي تسيطر عليها قيادة المركبات.
ويبين التقرير أن سر هذه الاستراتيجية العملية يكمن في «جدية القرار وسرعة العمل». ويذكر أيضا أن التطوير العقاري النوعي فيها يتطلب مزيدا من التخطيط واستيعاب الواقع، إذ إن عائدات هذا النوع من المشاريع ستكون أقل من المتوقع في السنوات الأولى، وبالتالي سيتطلب ذلك من رجال الأعمال المستثمرين أفقا طويل المدى، وعملا دؤوبا وصبرا طويلا. ولكن مع مرور الوقت والدعم اللوجستي من المدينة يمكن أن يحقق هذا العمل عائدات طائلة تعود على المستثمر وعلى خزينة المدينة بالرفاه. ويشير كاتب التقرير إلى أن هذا النوع من المشاريع أفرز قيمة عالية من التدفق المالي طويل الأجل، بسبب التحول الحضري الصديق للمشائين الذين من أجلهم وبفضل توافدهم، جُلبت المشاريع الريادية للمدينة.
فالمستثمرون هنا بالذات يلعبون أدوار تطوير عقاري نوعي متكاملة لتحويل مدنهم. فغيلبرت عندما بدأ أحد أصوله العقارية في الأداء، فإنه «حفز» العقارات المجاورة وتسبب إيجابيا في صعود قيمتها. وهنا يكمن عزيزي القارئ الفارق الشاسع مع الجهود الكلاسيكية التي تشهدها مدننا تحت مسمى إعادة تنشيط وسط المدينة، إذ إن استراتيجية التنمية من خلال «التحفيز» التي استعرضناها استطاعت توفير فرص عمل جدية، وليس فقط تكريس «مُتعة» الترفيه والاستجمام الحضري.
لن يتسع هذا المقال إلى سرد تفاصيل مجموعة المستثمرين الأثرياء ودورهم في استراتيجية التطوير «بالتحفيز»، إذ تتعدد في هذا الإطار قصص نجاح الاستثمار في رحاب مجموعة لا بأس بها من المدن الأمريكية، حيث انعكست على إنعاش اقتصاداتها بالإيجاب ومكنتها من التميز، وقد كان ذلك طبعا عبر مستثمرين أثرياء لم يكن الربح منطلق مناهم.
ويمكن لنا أن نستشف هنا جملة من المفاتيح الأساسية لنجاح مثل هذه الاستراتيجيات، ونبوبها كما يلي:
1. أولوية سهولة الحركة والوصول مشيا هي أحد المتطلبات الضرورية لتعزيز وخلق مكان حضري صديق للمشائين، يكون غنيا بشبكة مشاة كثيفة تحتوي على عديد من نقاط الوصل مع الشوارع المجاورة.
2. منح أولوية القيمة «الاستجمامية» والوظيفية والترفيهية للشوارع الضيقة والأزقة المتكررة، وجعلها مشاءة بنسبة 100% وتكريسها كمزار للاستمتاع بالمقاهي والمطاعم المدمجة بين أماكن الجلوس الداخلية والخارجية المحاذية.
3. تبني ثقافة تنشيط أرصفة المشاة وجعل الساحات المحيطة كأطر لـ «مسارح الشوارع» التي تشمل عادة مختلف العروض والأداء الفني والموسيقي.
4. تبني ثقافة اعتبار أرصفة المشاة «تحفا» معمارية ذات هيئة أنيقة يكون لها دور فعال في الهيكلة الجمالية والثقافية للمدن التي تحويها.
5. تحفيز الممارسات التطويرية التي تعتمد سياسة هيكلة الشوارع بمبدأ التجزئة والترابط، لأن تقليل إمكانية المشي فيها وتسطيحها يعدان من العمليات «اللا- تطويرية» نظرا لكارثية عواقبها.
ومن هذا المنبر، لا بد أن نشير إلى ضرورة أن يكون العمل تكامليا بين المستثمرين الأثرياء في هذا الإطار بالذات، مما يجعلني ألقبهم هنا أنا شخصيا بـ «مطوري النطاق الكبير»، وأن يكون هذا التكامل طبعا أفقيا لأننا سنجد مثلا مستثمرا سيعمل على ربط وإيصال الشوارع ببعضها عن طريق شبكة المشاة، وسنجد مستثمرا آخر يتبنى تطوير أثاث الشوارع على محاور الربط، وثالثا سيعمل على الغطاء النباتي للمحاور، وآخرون سيتبنون توظيف الأدوار الأرضية لوظائف نوعية. وهنالك أيضا من سيعمل على «النطاق الصغير» كصاحب المقهى مثلا الذي سيعمل جاهدا على تطوير جلسات الاستجمام لتوفير أكثر ما يمكن من الظروف الكيفية الحسية التي تتعلق بمتعة الجلوس وتناول القهوة مع الأصدقاء والعائلة، ومشاهدة الآخر في مناخ تواصلي بيئي مناسب.
وفي هذا الإطار تعد استراتيجية انخراط المستثمرين الأثرياء من أبناء الوطن برؤية ذات ثقل ملموس عصريا وتقنيا وإنسانيا، إذ تعد نقطة تحول رئيسة في إعادة تصور مفهوم المدن المفعمة بالحياة اقتصاديا وبيئيا واجتماعيا؛ مفاهيم ذات فوائد جعلتني أطلق عليها مسمى الاستراتيجية «الواعية»، لأنها تعالج قضايا وطنية مثل توظيف السكان المحليين، وهو ما نراه بالمناسبة استثمارا في الأفراد والمؤسسات المحلية، لرفع مستوى العدالة الاجتماعية التي على ضوئها تُستحدث المهارات الريادية. فاليوم تحتاج كل أنحاء الوطن إلى الجرأة في التوسع والابتكار والإبداع، ويأتي هذا النموذج الجديد للتنمية هنا متزامنا مع وقت مهم مُكرَّس للاقتصاد والمجتمع والبيئة، ضمن إطار برنامج جودة الحياة، أحد أهم برامج تحقيق رؤية 2030.
وما ذلك الثراء العائد من الاستثمار هنا إلا أكثر العناصر التي تتجلى فيها العلاقة بين الإنسان وبيئة عيشه المحيطة، حيث تتبوأ هذه الأخيرة أهمية قصوى لساكنيها الذين يحتاجونها بشدة، بقصد الاستجمام والترفيه والترويح عن أنفسهم بدنيا ونفسيا. وهنا نختم بالتسليم والتأكيد على أن مشاريع المدن الصديقة للمشائين هي أساس معظم ثروات العقارات النوعية الكبيرة، وقد تجلى ذلك تدريجيا منذ القرون الماضية ليصبح حاجة ملحة وضرورة حياتية في العصر الحالي.
@dradelzahrani