التضخم المبارك
الجمعة / 15 / جمادى الأولى / 1441 هـ - 20:00 - الجمعة 10 يناير 2020 20:00
التضخم عند الاقتصاديين غلاء في السلعة وانهيار لقيمة العملة، والتضخم في العنوان زيادة نوعية تتغشى بعض المباركين المسددين على مستوى المخبر (المادي) والمظهر الباذخ.
المتضخمون هنا فئة من الناس كانت تأكل مثل طعامنا وترتاد أسواقنا، كانوا يبدؤون يومهم بإيصال أبنائهم وبناتهم إلى المدارس، وإعادتهم إلى المنازل، كانوا يشكون من الغلاء والعجز وقلة ذات اليد، يذرفون الدمع مع جموع المصلين، خاصة عندما يقول خطيب الجمعة اللهم ارفع عنا الغلاء، فيؤمنون بصوت أقرب للنشيج؛ آمين آمين.
فجأة يُختص هؤلاء ببركة نوعية غير بركات الناس ورزق مفاجئ يأتيهم رغدا من كل مكان، وسحب تمطرهم بوافر عطايا، تجعل الواحد منهم يقول كما قال هارون الرشيد لتلك السحابة العابرة «أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك»، من وفرة الخير المنتظر وتعدد مصادره ومساربه وسراديبه.
عندما تتفحص التاريخ العائلي لأحد هؤلاء، تجده لأبوين بسيطين، الأم ربة منزل، والوالد كان موظفا بسيطا، وهذا يعني أن هذه الثروة المفاجئة التي بات يملكها لم يرثها، ولم يعرف عنه ولا عن أسرته ملاءة مالية تفسر هذا اليسر الذي نزل عليه فجأة، وكذلك لا ترى فيه صفة رجل الأعمال الناجح النبيه، فهو في تجاربه وأسلوبه وطريقة تفكيره أقرب ما يكون إلى رئيس وردية عمال في مصنع، أو مزرعة، فطريقة تفكيره بسيطة وردات فعله تعكس عقلية أبسط أقرب للسذاجة والحمق.
نحن نعلم أن الجهات المحاربة للفساد بدأت ومنذ زمن قريب تشديد الرقابة على هؤلاء، والإعلام يوافينا بتفاصيل القبض على كثيرين منهم ومحاسبتهم بعد سؤالهم عن مصادر أموالهم التي لا تتناسب مع حجم مدخراتهم الماضية أو مداخيلهم الشهرية السابقة.
بعضهم يمارس في المجتمع صورا لأعمال خيرية ومساهمات عينية تجعلهم أمام البسطاء مثالا للكرم والجود وإغاثة الملهوف، وهذه التصرفات ما هي إلا محاولات منهم لتبييض سيرهم الذاتية المجتمعية ورسم صور وردية لذواتهم السيئة للضحك على البسطاء وتصدر المجالس وإعادة تدوير حضورهم المجتمعي وغسله في صور مستحسنة، تجعل العوام يصدقونهم ويأنسون بهم وببرهم الذي توثقه عدسات الكاميرات وشهود الحال من المطبلين والمنتفعين ومن سار على دربهم واقتفى أثرهم وأثرتهم.
أحد الخبثاء اقترح على أحدهم في مجلس قبلي كبير أن يكتب سيرته، وأن يجعلها متاحة لأبناء القبيلة كي يكون النموذج الذي يحتذي به الشباب من تلك القبيلة ويباهون به القبائل الأخرى، واستعد صاحب الاقتراح ليكتبها بما يتناسب وفن السيرة ونقاء السريرة، وبالفعل جلس مع هذا المحتال ليعطيه خطته في كتابة ذلك الكتاب المنتظر، ليكشف الغطاء عن تلك السيرة العظيمة، يقول، والكلام للكاتب الذي هم بكتابة تلك السيرة: بحثت عن صاحبنا في بداياته كتاجر ورجل أعمال، فلم أجد له بداية، ولم أجد له قصة كفاح ككل الأعلام، بحثت عن نقطته الصفرية التي منها بدأ، فلم أستطع الوصول إليها ولم أجدها، ربما لأنه لا يعترف بالصفر كبداية، أو أن نظامه الأخلاقي لا يعترف بالصفر إلا إذا كان على اليمين مكررا مرات ومرات.
فشل مشروع كتابة السيرة الذاتية لذلك الرجل، وفشلت معه كل المحاولات لصنعه وجعله النموذج الثقافي العصامي الموثق والأخاذ في مجتمعه الصغير، لكن من يدري ربما سيكون هذا الدجال وأمثاله مشاريع قادمة للعظة والعبرة، تقدمها العدالة للمجتمع وتكشف لأفراده أن مثل هذا مهما طالت أذرعه وتجذرت سطوته، فلن ينجو من السؤال والمتابعة، وإذا أدين أخذ إلى المكان الصحيح والأنسب الذي يصلح أن يكون نقطة تصحيحية لإعادة تأهيله، ومن ثم يعود بعدها للمجتمع الذي سيعيد كتابة سيرته من جديد، ولكن هذه المرة من تحت الصفر قيمة وعظة وعبرة.
@alaseery2
المتضخمون هنا فئة من الناس كانت تأكل مثل طعامنا وترتاد أسواقنا، كانوا يبدؤون يومهم بإيصال أبنائهم وبناتهم إلى المدارس، وإعادتهم إلى المنازل، كانوا يشكون من الغلاء والعجز وقلة ذات اليد، يذرفون الدمع مع جموع المصلين، خاصة عندما يقول خطيب الجمعة اللهم ارفع عنا الغلاء، فيؤمنون بصوت أقرب للنشيج؛ آمين آمين.
فجأة يُختص هؤلاء ببركة نوعية غير بركات الناس ورزق مفاجئ يأتيهم رغدا من كل مكان، وسحب تمطرهم بوافر عطايا، تجعل الواحد منهم يقول كما قال هارون الرشيد لتلك السحابة العابرة «أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك»، من وفرة الخير المنتظر وتعدد مصادره ومساربه وسراديبه.
عندما تتفحص التاريخ العائلي لأحد هؤلاء، تجده لأبوين بسيطين، الأم ربة منزل، والوالد كان موظفا بسيطا، وهذا يعني أن هذه الثروة المفاجئة التي بات يملكها لم يرثها، ولم يعرف عنه ولا عن أسرته ملاءة مالية تفسر هذا اليسر الذي نزل عليه فجأة، وكذلك لا ترى فيه صفة رجل الأعمال الناجح النبيه، فهو في تجاربه وأسلوبه وطريقة تفكيره أقرب ما يكون إلى رئيس وردية عمال في مصنع، أو مزرعة، فطريقة تفكيره بسيطة وردات فعله تعكس عقلية أبسط أقرب للسذاجة والحمق.
نحن نعلم أن الجهات المحاربة للفساد بدأت ومنذ زمن قريب تشديد الرقابة على هؤلاء، والإعلام يوافينا بتفاصيل القبض على كثيرين منهم ومحاسبتهم بعد سؤالهم عن مصادر أموالهم التي لا تتناسب مع حجم مدخراتهم الماضية أو مداخيلهم الشهرية السابقة.
بعضهم يمارس في المجتمع صورا لأعمال خيرية ومساهمات عينية تجعلهم أمام البسطاء مثالا للكرم والجود وإغاثة الملهوف، وهذه التصرفات ما هي إلا محاولات منهم لتبييض سيرهم الذاتية المجتمعية ورسم صور وردية لذواتهم السيئة للضحك على البسطاء وتصدر المجالس وإعادة تدوير حضورهم المجتمعي وغسله في صور مستحسنة، تجعل العوام يصدقونهم ويأنسون بهم وببرهم الذي توثقه عدسات الكاميرات وشهود الحال من المطبلين والمنتفعين ومن سار على دربهم واقتفى أثرهم وأثرتهم.
أحد الخبثاء اقترح على أحدهم في مجلس قبلي كبير أن يكتب سيرته، وأن يجعلها متاحة لأبناء القبيلة كي يكون النموذج الذي يحتذي به الشباب من تلك القبيلة ويباهون به القبائل الأخرى، واستعد صاحب الاقتراح ليكتبها بما يتناسب وفن السيرة ونقاء السريرة، وبالفعل جلس مع هذا المحتال ليعطيه خطته في كتابة ذلك الكتاب المنتظر، ليكشف الغطاء عن تلك السيرة العظيمة، يقول، والكلام للكاتب الذي هم بكتابة تلك السيرة: بحثت عن صاحبنا في بداياته كتاجر ورجل أعمال، فلم أجد له بداية، ولم أجد له قصة كفاح ككل الأعلام، بحثت عن نقطته الصفرية التي منها بدأ، فلم أستطع الوصول إليها ولم أجدها، ربما لأنه لا يعترف بالصفر كبداية، أو أن نظامه الأخلاقي لا يعترف بالصفر إلا إذا كان على اليمين مكررا مرات ومرات.
فشل مشروع كتابة السيرة الذاتية لذلك الرجل، وفشلت معه كل المحاولات لصنعه وجعله النموذج الثقافي العصامي الموثق والأخاذ في مجتمعه الصغير، لكن من يدري ربما سيكون هذا الدجال وأمثاله مشاريع قادمة للعظة والعبرة، تقدمها العدالة للمجتمع وتكشف لأفراده أن مثل هذا مهما طالت أذرعه وتجذرت سطوته، فلن ينجو من السؤال والمتابعة، وإذا أدين أخذ إلى المكان الصحيح والأنسب الذي يصلح أن يكون نقطة تصحيحية لإعادة تأهيله، ومن ثم يعود بعدها للمجتمع الذي سيعيد كتابة سيرته من جديد، ولكن هذه المرة من تحت الصفر قيمة وعظة وعبرة.
@alaseery2