الرأي

الأكاديمي المتعاقد بين المطرقة والسندان!

بندر الزهراني
لا تخلو الجامعات المحلية الحكومية والأهلية من عضو هيئة التدريس غير السعودي، حيث تشير أحدث إحصاءات وزارة التعليم إلى أن هناك 40% من أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم غير سعوديين، وهذه النسبة وإن كانت تبدو مرتفعة نوعا ما إلا أنها تظل أقل مما هي عليه في الأعوام الماضية، وهي بلا شك مؤشر جيد، وذات أهمية، حيث إنها تعطي انطباعا عاما بأن مسألة إحلال الأكاديمي المتعاقد بالأكاديمي المواطن في نمو مستمر، بغض النظر عما إذا كان هذا النمو نموا مطردا أو متباطئا، ولكنها قد لا تحظى بنفس الاهتمام لدى البعض، خاصة أولئك الذين لا يهتمون إلا بالكفاءة الأكاديمية فقط ويقدمونها على ما سواها.

ومن الملاحظ أن الأكاديمي المتعاقد مع الجامعات المحلية يتمتع بمزايا مالية ووظيفية لا يجدها في جامعات خارجية، فالمرتبات الشهرية تصرف له مضاعفة عما هو منصوص عليه في عقود العمل، إضافة لبدلات السكن وتعليم الأبناء، ثم مستحقات نهاية الخدمة، وهكذا، ولذلك كانت الجامعات المحلية محط أنظار كثير من الكفاءات الأكاديمية من مختلف الجنسيات العربية والآسيوية، وفي المقابل لا أحد يستطيع أن ينكر أهمية وجود هذا العنصر الأجنبي الفاعل بين أعضاء هيئة التدريس، وهذا الأمر بطبيعة الحال يحدث بشكل أو بآخر في كثير من جامعات العالم المتقدم علميا والقادر ماليا.

ورغم كل هذه المزايا المشجعة وحياة الترف المغرية، إلا أن عضو هيئة التدريس المتعاقد يجد نفسه في حالات كثيرة بين مطرقة الرئيس المباشر وسندان الاستغناء عنه وإنهاء عقده أو عدم تجديده، وكأنه وهو ذو المكانة الأكاديمية المرموقة أصبح مجرد موظف عادي، يستقدم في الواقع من قبل جهات أو شخصيات معينة، ولأغراضها الخاصة، ويعفى عند تمنعه أو رفضه ما لا طاقة له به، أو عند انتفاء الحاجة منه، ويظل طوال فترة عمله مهددا، فإما أن يلتزم بما يطلب منه علاوة على عمله المتفق عليه من تدريس ونحوه، وإلا فإن مصيره معروف سلفا.

بربكم قولوا لي: كيف لعميد كلية أو مدير جامعة أن يستطيع الجمع بين العمل الإداري المكثف والشاق من جهة وبين البحث العلمي المركز ذي الجودة العالية من جهة أخرى، لولا أنه امتطى أقلام وعقول بعض من أعضاء هيئة التدريس المتعاقدين؟! وهذا ليس من باب التخمين أو التوقع، وإنما هو عين اليقين والواقع المرير، ولن تصدقوا إن قلت لكم إن هناك وكيلا «متقاعدا» لم تكن له شهرة في الأوساط العلمية، ومعظم أبحاثه أبحاث تطويرية، ولا علاقة لها بتخصصه العلمي، وعندما بدأت الدولة في صرف بدل التميز كان هو أول من استحق هذا البدل في جامعته وبنسبة 100%! فأنى له ذلك لولا الخائف المتعاقد!

أحد الأساتذة من المتعاقدين جاء من بلده إلى إحدى الجامعات المحلية للعمل فيها، لأنه سمع أن فيها حركة بحثية عظيمة جعلتها في ريادة الجامعات العربية، فأراد أن يثري حياته العلمية بالانتساب لهذه الجامعة العريقة، إضافة للحوافز المالية التي ترغبها النفس البشرية، ولكنه بعد عام دراسي واحد قرر العودة إلى بلاده والعمل في جامعته الأصلية، دون أن يذكر أسبابا جوهرية لانسحابه، وبعد مدة من الزمن ليست بالطويلة تقدم بشكوى ضد أحد الأساتذة المحليين زاعما أنه «سرق» بحثا من أبحاثه ونشره باسمه، فلما كبرت الشكوى وبلغت مبلغها، وكادت أن تخرج للإعلام، وتصل لمستوى وزارتي التعليم العالي في البلدين، تدخل المتسترون من هنا ومن هناك، فماتت القضية ورقيا وبقي العار عالقا في الذاكرة!

في كثير من الجامعات نجد أن العضو المتعاقد ليس له في مجالس الأقسام إلا الحضور المجرد، والتوقيع لا على ما سمعه وإنما على ما يريده رئيس المجلس، وبدل أن يكون العضو المتعاقد عضوا فاعلا مفيدا، ومثريا للنقاش، ناقلا للخبرة، أصبح صنما مرجحا لكفة الرئيس، فأضحت قرارات المجالس قرارات شخصية مخجلة، وباهتة بائسة، لا تمت للأعراف الأكاديمية بشيء، وهذا الإلغاء المقصود لهوية العضو المتعاقد جعله عضوا لا مباليا، قلق الشخصية، وكثيرا ما يتندر على الطلاب وعلى الأنظمة المعمول بها وعلى الأبحاث العلمية المحلية، ولو في خلواته أو عبر الفيس بوك لأصدقائه!

وحتى نستفيد من فرصة وجود هؤلاء الزملاء بيننا الاستفادة المرجوة، ونكسب ولاءاتهم ونصنع أجمل ذكرياتهم، يجب علينا أن نعطيهم كامل الحرية المهنية، وأن نعلي من مكانتهم، ولا نعاملهم وكأنهم عمالة وافدة، أو نستغل حاجاتهم المالية، فإنهم متى ما كانوا كبارا صنعوا أجيالا كبيرة، وأثروا الحركة العلمية والبحثية في جامعاتنا، ومتى ما كانوا عكس ذلك كانت النتيجة سلبية، وكارثية.

علينا يا معالي الوزير أن نغير نظام استقطاب العضو المتعاقد، وأن نقنن آلياته، ونوحد الجهات المسؤولة عنه، ولا نتركها مطلقة بأيدي مديري الجامعات، فإن في التعاقدات الحالية فسادا عظيما وحالات مخجلة يندى لها الجبين!

drbmaz@