(تعليمنا) من واقع تجربتي
هل تعليمنا متخلف؟ أعتقد أن أصدق وصف لواقع التعليم لدينا أنه (يتخلف)؛ أي كل سنة أكثر تخلفًا مما قبلها، في قسمنا الجامعي (قسم اللغة العربية) نستقبل طلبة حاصلين على الثانوية العامة، الغالبية لا تستطيع كتابة جملتين مفيدتين معًا، أو تقرأ سطرًا قراءة سليمة،
الأربعاء / 26 / ربيع الثاني / 1435 هـ - 23:00 - الأربعاء 26 فبراير 2014 23:00
هل تعليمنا متخلف؟ أعتقد أن أصدق وصف لواقع التعليم لدينا أنه (يتخلف)؛ أي كل سنة أكثر تخلفًا مما قبلها، في قسمنا الجامعي (قسم اللغة العربية) نستقبل طلبة حاصلين على الثانوية العامة، الغالبية لا تستطيع كتابة جملتين مفيدتين معًا، أو تقرأ سطرًا قراءة سليمة، وحينما أردت الفصل الماضي وضع أسئلة للامتحان الفصلي النهائي استعرضت أسئلة محفوظة عندي وضعتها منذ بضع سنوات للمقرر نفسه، فأدركت أنني لو أتيت بنصف مستواها من حيث الصعوبة للطلبة في هذه السنة فلن ينجح أحد منهم، كنت أعزِّي نفسي أن قسم اللغة العربية لا يتقدم إليه إلا ضعاف المتخرجين من الثانوية؛ لاكتفاء سوق العمل، لكن ما صدمني أن زملائي أساتذة كليات (الطب، والهندسة، والشريعة والأنظمة) -سوق العمل بحاجة لخريجي هذه الكليات- أبلغوني أن أغلبية الطلبة المتقدمين لكلياتهم مستواهم العلمي كارثي، وفي كتاب (إصلاح التعليم في السعودية للدكتور أحمد العيسى) إحصاءات كارثية ومخجلة عن التعليم لدينا، ومنها نتيجة اختبار اللغة الإنجليزية لمتخرجي المرحلة الثانوية الملتحقين ببرنامج التدريب والابتعاث في شركة أرامكو من سنة 2005 إلى 2007؛ الدراسة أجريت على 41 ألف متقدم؛ كانت النتيجة كارثية: 26 % نتيجتهم تعادل التعليم الابتدائي، و41 %نتيجتهم تعادل أولى متوسط وثاني متوسط، و7 %فقط نتيجتهم تعادل التعليم الثانوي أين الخلل؟ الطالب يدرس 12 سنة ثم يصل للجامعة بهذا المستوى الكارثي؛ فأين الخلل؟، وميزانية التعليم لدينا لقطاع التعليم العام، والتعليم العالي، وتدريب القوى العاملة في عام: 1434 - 1435 ما يقارب 210 مليارات ريال، ويمثل نحو نسبة 25 % من النفقات المعتمدة في الميزانية للخدمات؛ فأين الخلل؟ ونحن ننفق نحو 5.6 %من إجمالي الناتج المحلي على التعليم حسب ميزانية 1434 - 1435، وهذا معدل مرتفع بالنسبة للمعدل العالمي؛ إذ يبلغ المعدل العالمي العام نحو 4.4 %، ومعدل دول أمريكا الشمالية 5.1 %؛ فأين الخلل؟! وثمة مشروعات لإصلاح التعليم بمليارات الريالات؛ أعلن عنها منذ سنوات، وشكلت لجان لإصلاح التعليم؛ فأين الخلل؟، هبني قلت القول الذي كُرِّر مئات المرات: إن الخلل في المناهج المتخلفة، وطرق التدريس، وإعداد المعلمين، ونوعية المعلمين، والاعتماد على تقديم (المعلومات والمعارف)، وليس على التركيز على اكتساب المهارات الأساسية في التعليم؛ وهي مهارات: (القراءة، والكتابة، والاستنتاج، والفهم، والتحليل)، هبني قلت ذلك كله، فكان ماذا؟!، الأمر أعظم من أن يعالج في مقالة، أو كتاب، أو ندوة، أو لجنة، وقد كتب كثيرون من المتخصصين بالتربية والتعليم، ومن المثقفين، لكن كتاباتهم وتوصياتهم تظل قاصرة، فأمر معالجة الخلل أكبر من ذلك؛ إذ إنه يمس (الأمن القومي) للبلد؛ فالإنسان هو ثروة الوطن الحقيقية، والتعليم هو الحجر الأساس في بناء الإنسان، ولهذا حينما أدركت السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية في ثمانينات القرن الماضي أن مستوى الطلبة بدأ ينحدر تعليميا سارعت لمعالجة الوضع، وكونت لجنة من أكابر المتخصصين، وبعد 18 شهرًا، ومئات الاجتماعات، واللقاءات، والرصد، وتحليل البيانات والإحصاءات بحثًا عن (الخلل)؛ أصدرت اللجنة تقريرها الذي تشرح فيه مكامن الخلل، وقد عنونته بـ(أمة في خطر)، ومما جاء في التقرير: “إنه لأول مرة في مسيرة التعليم العام بأمريكا سيتخرج جيل لا يتفوق على آبائه، وحتى لا يساويهم أو يدانيهم في المهارات والمعارف والقدرات”، وجاء فيه أيضاً: “لو قامت قوة معادية بفرض أداء تعليمي قليل الجودة على الشعب الأمريكي، لعُدَّ ذلك مدعاة للحرب، ولكن ذلك يحدث الآن من خلالنا نحن الذين سمحنا به”، لقد دبجته بهذا العنوان، وبهذه العبارات المستفزة؛ لتوقف الشعب الأمريكي على أبعاد الكارثة التي تتهدد أمنهم الوطني، ومستقبل حضارتهم فهل نقول عن واقعنا: نحن أمة في خطر، أو أننا أمة قد أنهكها الخطر، ويصدق علينا الوصف الطريف المشهور كضفدعة سقطت في ماء يغلي ببطء فهي لا تقفز من الماء؛ لأنها لا تدرك أنها في طريقها إلى الموت؟