الرأي

حسابات المحرضين

فهد المرسال
للموت وجه وحيد! وإن حاول أن يوهمنا ويخدعنا بتعدد أوجهه فحقيقته واحدة هي الفقد فقط، لذلك هو قاع النهايات والفناء، وللحياة وما أجمل الحياة آلاف وآلاف من الوجوه والأغصان والألوان والأطفال والمدائن والقرى والحقول، بها نتهجى السر في وجودنا الأول، ساكنين في الأرض مؤتمنين على أنفسنا فقط، راكضين خلف جمالياتها وتأملاتها منبهرين بعظمة إعجاز خالقها العظيم، نبني ونتعلم ونغني ونزرع ونصنع ونحصد ونمارس إنسانيتنا كما كتب لنا أن نعيش منغمسين في هذه المساحة المحكومة بالعمل والبناء وتلك أسمى مزاياها. إنني لأعجب حقا ممن ترجلوا عن حياتهم وتوقفوا في هامش العمر يهدون لهذا البياض سواده ومآسيه متربصين بقوافلنا العابرة للبناء والسماء والنهضة، اختزلوا هذا العمر بالتحريض والانقضاض على الإنسان والفنون وإخراس موسيقى الحياة الشجي، يعملون على إذكاء كراهية الآخر، يصطادون شبابنا كما تصطاد الأفاعي فرائسها، يعيشون متلونين بيننا وولاءاتهم خارج الحدود، لم يفتؤوا يحرضون التحريض الممنهج لنفير شبابنا للحرائق المستعرة في دول الجوار بكل بشاعة، أواه كم يعتصر قلبي على من تطايروا للموت كفراشات خدعها الضوء فأحرقها استجابة لترهات أولئك الماكرين، كيف لي أن أستبدل تلك الأرواح المسافرة لحتفها بأرواح من أقحموا فكرة بغض الحياة بعقولهم! لعلهم يشعرون بمدى ذلك الجرح الغائر المخيف. ترى كم تحتاج أرواحنا لتشفى من وجع فقدان شباب هذا الوطن المغرر بهم ليكونوا حطبا لحروب يدير رحاها الإرهاب باسم الأديان والمذهب، كل دموع تلك الأمهات المكلومة على فلذات أكبادها لن تطهر أولئك المحرضين الهانئين في ملذّاتهم تاركين أبناءهم ينهلون من العلوم في أرقى الجامعات آمنين مطمئنين وبعض شبابنا يكابد خطيئة انقيادهم لأوهامهم، فلتسقطي أيتها النجوم والكواكب شهبا غاضبة على من أشعلوا قلوب الآباء والأمهات والوطن حزنا لا تستوعبه كل مراسم العزاء!