الرأي

التعليم.. المريض الذي كثر أطباؤه

مفلح زابن القحطاني
على الرغم من وجود نماذج مميزة لا يمكن تهميشها أو تجاهلها ومخرجات جيدة، يكاد يجمع المختصون والمهتمون بشؤون التعليم على أن التعليم في المملكة يعاني مشكلات متعددة، ويحتاج إلى تطوير وتحسين ورفع مستوى، وتتعدد الرؤى في هذا الجانب، وتتباين الاتجاهات حيال النظر إلى قضية ضعف التعليم، وتشخيص أسباب هذا الضعف، وكيف تمكن معالجته، بالنظر إلى وجود العديد من الاتجاهات في هذا الجانب، والاختلاف في الأسباب والتغيرات التي أدت إلى هذا الأمر، وبالنظر إلى أن إصلاح التعليم يتعلق بثقافة المجتمع والتصور والمكون الفكري أكثر من تعلقه بالجوانب والمكونات المادية. وإذا كانت حلول مشكلات التعليم يجب أن تبدأ بالاعتراف بالمشكلة والنظر في أسبابها ومناقشتها، فإن المشكلة الأخرى أن تصبح هذه القضية مجال حديث وتنظير للمختص ولغير المختص، وأن تكون هذه القضية سلّمًا وشماعة يحاول البعض استثمارها، وأن يكون هذا الموضوع حجة أو مادة لغير المتخصصين أو المعنيين، وأن يصبح ميدانا يدلي فيه الجميع بآرائهم دون وعي أو تخصص أو معرفة بحجم المشكلة ومسبباتها. وقد لفت نظري في هذا الاتجاه تقرير قدمته إحدى الصحف السعودية الالكترونية، وهو التقرير الذي تناول الجامعات السعودية وبعض المشكلات ومظاهر القصور فيها، ولأن كاتب التقرير أبعد ما يكون عن الحقل الأكاديمي فقد حمل التقرير مغالطات متعددة ومعلومات غير صحيحة، منها – على سبيل المثال – أن الجامعات الحكومية التي حصلت على الاعتماد المؤسسي ثلاث جامعات فقط مع أنها خمس جامعات حقيقة، كما صوّر التقرير الجامعات في صورة الدائرة الحكومية التي يجب أن تحل مشكلة البطالة، ويجب أن توظّف جميع من حصلوا على درجات علمية عليا، مغيّبا فلسفة التعليم ومعاييره وخصوصية العمل الأكاديمي الذي هو فلسفة وبناء ذهني وفكري وليس مجرد وظيفة يمكن لأي فرد الالتحاق بها، واستكثر هذا التقرير الذي حملته هذه الصحيفة التي تحظى بعدد كبير من القراء أن تصرف الجامعات على البحوث العلمية مبالغ مالية إلى آخره. وإذا كنا نؤمن أن الحقول العلمية والمهنية يمكن أن تتقاطع في بعض مكوناتها وأساليب إدارتها وتكون بينها نقاط التقاء وقواسم مشتركة بحيث تصلح الحلول في أكثر من اتجاه فإن تناول قضايا التعليم ممن هم بعيدون كل البعد عن هذا الحقل، وربما بما تمليه المصالح الخاصة أو النظرة السريعة التي تغيب فيها المعايير والأسس وروح التعليم وفلسفته سيكون له أثر سلبي للغاية. التعليم هو هويتنا ومصدر تقدمنا، وصلاحه ومعالجة مشكلاته مرتهنان بأن يتصدى لهذا الأمر أصحاب الاختصاص وذوو الرؤية وأرباب الخبرة الذين يدركون أبعاد المشكلة وحدودها ويستطيعون أن يستشرفوا المستقبل وأن يضعوا آليات من شأنها أن تحل المشكلات بشكل موضوعي ومتدرج، وفي الوقت نفسه يؤمنون بفلسفة التعليم وأهميته وخصوصيته ودوره في التكوين والتشكيل ويحترمونها.