بدأت جحافل النصائح والدعوات لرمضان، وبدأت طرديا معها دعايات المسلسلات والبرامج والملهيات. وما بين هذا وذاك يقف بعضنا متحمسا مشمرا ومقبلا بكل كيانه على العبادة وقراءة القرآن والتراويح وناذرا مقاطعة الدنيا والمصالح والمشاغل. بينما بعضنا الآخر يحاول أن يقرر أي المسلسلات سيكون أكثر تسلية وأجمل رفيقا في ليالي الشهر الفضيل. وبقي بعض منا واقفا حائرا تتجاذبه الجهات وتتصارع بداخله القناعات. فما بين المبالغة في الاهتمام والمبالغة في عدم الاكتراث ضاع بعضنا في زحمة التجاذبات. حسنا عزيزي الحائر خذ نفسا عميقا، أغمض عينيك، واخلع نعليك. نعم خذ نفسا عميقا واطرد معه كل البرمجيات المسبقة عن فعل الأشياء لمجرد أن الآخرين يفعلونها، وعن اتباع أنماط السلوكيات كالتراخي والتكاسل لمجرد أن الغالبية يمارسونها. ثم أغمض عينيك عن كل المؤثرات والقناعات التي تحيط بك وتحاول تجاذبك، أغمض عينيك عن هراء الدعايات والعروض وسعار المسابقات والإغراءات. أغمض عينيك عن السفه والانحطاط الذي يجرح مشاعر أي إنسان لديه أدنى أسس الأخلاقيات. ثم اخلع نعليك قبل أن تدخل. نعم اخلع عنك مظاهر الكثرة والانغماس، اخلع عنك المبالغة وفرط الاندماج، اخلع عنك القيل والقال وفتنة الانشغال بالناس. ثم ادخل بهدوء، ادخل بابتسامة، ادخل باحثا، ادخل طالبا، ادخل متسائلا، ادخل متجردا من كل شيء إلا روحك فهذا وقت تواصلها، وادخل مسلما كل نفسك فهذا وقت تصفيتها، وادخل مطهرا كل جوارحك فهذا وقت امتحانها. ثم خذ في رحاب هذا المكان الطاهر من الأماكن ما يناسب حالتك الآن. فربما تكون في حالة ضياع، لذا خذ ركنا قصيا وانفرد فيه مع نفسك بحثا عن الإجابات. وربما تكون في حالة اطمئنان وعطاء، لذا خذ لنفسك صدر المجلس وساعد غيرك. وربما تكون في حالة تأمل وهدوء، فتارة تركن بحثا عن المدد لنفسك من نافخ الروح، وتارة تساعد الناس مستثمرا ما حباه بك ملك الملوك. وعليه فلتصنع رمضانك،. اصنع رمضانك بأن تسقي روحك العطشى للذكر، وعقلك المتعطش للفهم، وقلبك المتعطش للحب والرفق. اصنع رمضانك بعمل الصالحات بأن تنثر العطر من الكلمات، وتعتكف عن اللوم والانتقاد. اصنع رمضانك بأن تخفض جناح الرحمة للوالدين بالرفق والبر، وللزوج باللطف والود، وللأولاد بالاحتواء والرفق، وللناس بالتعاطف والصبر. اصنع رمضانك بأن تتصالح مع ذاتك وتفرغ لها من وقتك وتتواصل معها فكفاكما خصاما وهروبا من المواجهة بسبب رغباتك المؤجلة وأحلامك الموضوعة على الرف. اصنع رمضانك من دعوات الآخرين لك، ثم أغمض عينيك منعما بيقين الاستجابة. heba.q@makkahnp.com