معرفة

نهاية القرن بداية البنيوية

مقابسات

u0627u0644u0645u0639u0631u0641u0629
عبر جابر عصفور عن الولع بـ»البنيوية» لدى جماعة من أساتذة الآداب العربية والأجنبية في القاهرة بعبارة «صعود البنيوية»، ونقرأ في الفصل الذي عقده لها في كتابه «تحديات الناقد المعاصر» تفاصيل شائقة عن أولئك النفر من الأساتذة الشُبان الذين كانوا يختلفون إلى منزل أستاذهم الدكتور عبدالعزيز الأهواني، في السنوات الأخيرة من عشر السبعين من القرن الميلادي الماضي، وحتى وفاة أستاذهم في مارس 1980م ولا هم لتلك الجماعة إلا الحديث عن «البنيوية»، وكأنهم رأوا فيها «طوق النجاة»، ولعلهم ألفوا فيها شيئا يمتازون به عن الجيل الماضي من الأساتذة والنقاد، وحين أُنشئت مجلة «فصول»، فكأنما كانت هذه المجلة المحضن الذي ستنمو فيه تلك المناهج، وفي مقدمتها «البنيوية»، فأثارت فضول الخاصة والعامة، واستغلقت عليهم عباراتها وأفكارها، فما لبث غير واحد من المثقفين والصحفيين أن أعلنوا في الناس شكواهم من ذلك الكلم الذي تعاصى على أفهامهم، وكانوا، من قبل، يقرؤون لأساتذة النقد في الجامعة، فيجدون فيما يقرؤون المتعة، ويفهمون عنهم ما أدوه. في تلك المدة، وإذا أردت تحديدا دقيقا في يونيو 1980م – كانت الرياض، في قلب جزيرة العرب، احتفلت بتلك المناهج النقدية الجديدة، حين أخرج نادي الرياض الأدبي كتاب «نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة» للناقدة والأستاذة الجامعية المصرية الدكتورة نبيلة إبراهيم، الأستاذة في جامعة الملك سعود، آنئذ. ونستطيع أن نعتد هذا الكتاب أول كتاب يعْرِض للنظريات النقدية الحداثية، وبخاصةٍ «البنيوية» – أو «البنائية» كما تدعوها الباحثة – في السعودية، بل عسى أن يكون من أوائل من عرض لها في النقد العربي الحديث، وربما أظهرنا الكتاب على سطوة تلك المناهج، ولا سيما «البنيوية»، على جيل من الأساتذة والباحثين، فخفُوا يضعون الكتب، ويترجمون، ويلخِصون، ويعْرضون، ويحاضرون، وإننا لنقرأ في كلماتهم ما ينبئ عن مقدار فتنتهم بـ»البنيوية»، على ذلك النحو الذي نمسك به في مفتتح كتاب «مشكلة البنية» لأستاذ الفلسفة زكريا إبراهيم، أو تلك العبارات التي تجعل «البنيوية» فلسفة حياة ومنهج كون، في كتاب «جدلية الخفاء والتجلي» للناقد السوري كمال أبو ديب، وقد فرح من قبل بـ»الوجودية» وفيلسوفها سارتر، جماعات من المثقفين العرب وشُبانهم وطلبة الجامعات والمدارس العامة. لكن، مهلا! نبيلة إبراهيم بـ»البنيوية» و»الشكلانية» أقدم من احتفال النقاد المصريين الشبان بهذه البدع الجديدة، فكتابها «قصصنا الشعبي بين الرومنسية والواقعية»، ذلك الذي أصدرته سنة 1974م، دل على معرفة متينة بالمناهج اللسانية الحديثة، وفيه ظهر القارئ العربي على كلام جديد في البنيوية الأناسية عند رائدها كلود ليفي شتراوس، واتخذت من كتاب «مورفولوجيا الحكاية الخرافية» للناقد الشكلاني فلادمير بروب آلة لقراءة الحكاية الشعبية العربية، بل زادت على بروب ولم تقف حيث وقف، وبينما اكتفى بروب بالتحليل، أتبعت الناقدة العربية بالتحليل والتفسير. والحق أنني لم أجد في كتاب «نقد الرواية» طبلا ولا زمرا، ولا افتتانا ساذجا بهذا الوافد الجديد، وربما كانت غاية إبراهيم أن تقدِم للقارئ العربي – والناقد العربي – منهجا تستقيم به قراءة الرواية إذا ما استعان به الناقد الأدبي، وينأى به بعيدا من متاهات «الانطباع»، ورجت منه أن يصله بطبيعة الأدب ومادته، وإننا لنجدها تأخذ بيد القارئ في كلام عربي مبين ليعرف طبيعة اللغة الأدبية، حتى إذا ما عرفها فرق بين «لغة الشعر» و»لغة النثر»، ثم لا تدع القارئ حتى تكمل فيصل التفرقة بين هذه وتلك، فتخص قصيدة بشر بن أبي عوانة بقراءة تجلي لغة الشعر وطبيعتها، حتى إذا أتمت هذا المبحث، دلفت إلى غايتها من الكتاب، وشرعت تخص «اللغة في الرواية» بفضل بيان، وأظهرت القارئ على فرق ما بين منهجين في الدرس النقدي: منهج يفصل بين لغة الرواية ومحتواها، ومنهج يعتد باللغة ويتخذها أساسا في العمل الروائي، سواء كان هذا المنهج «أسلوبيا» أو «بنيويا». ويجتهد الكتاب، على صغره، في تقديم هذه المناهج الحديثة، وبخاصةٍ «البنيوية»، ولا تخوض المؤلفة، إلا شيئا قليلا، في متاهات النظرية، وحسْبها أن تميط اللثام عن أصل المنهج اللغوي في درْس الأدب، وترفعه إلى عالم اللغة السويسري فردناند دي سوسير، وتبسط الحديث، شيئا ما، في أصل نظريته اللغوية، ونظفر في كتابها، كذلك، بأسماء نفر من أقطاب هذه المناهج الحديثة، ولا سيما عالم الأناسة البنيوية ليفي شتراوس، وياكبسون، وتشومسكي، وعناية الباحثة بالتطبيق فوق عنايتها بالتنظير، وتقدِم مثالا على النقد البنيوي، فتقرأ مرة حكاية شعبية، وتقرأ مرة أخرى فصلا من رواية لنجيب محفوظ، لكنها، في الحالتين، كانت كمن يزين هذا المنهج للنقاد والقراء ويغريهم به، فلا نقع على كلم غامض، ولا نتعثر بمصطلح كزٍ عسِر. منهجا الدرس النقدي أظهرت الناقدة الدكتورة نبيلة إبراهيم في كتابها »نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة« فرقا ما بين منهجين في الدرس النقدي، وهو:
  1. يعتد باللغة ويتخذها أساسا في العمل الروائي
  2. يفصل بين لغة الرواية ومحتواها