حقائب الضوء.. سيرة الأناسيين الجدد
الأربعاء / 25 / شعبان / 1437 هـ - 21:15 - الأربعاء 1 يونيو 2016 21:15
افتتح المعرض الفوتوجرافي »رؤيتي« بصالة الفنون الجميلة بمركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف الجمعة، بمشاركة ستة من الفوتوجرافيين الذين تشاركوا في صياغة رؤية هذا المعرض.
عشرات اللوحات امتلأت بها جدران الصالة التي احتضنت المهتمين بهذه الممارسة الفنية بالمنطقة، حيث تعرف القطيف بأقدم وأكثر الجماعات الفوتوجرافية نشاطاً في الخليج، وكانت الثيمة المشتركة بينها هو السفر في عوالم الإنسان، ورصد يومياتها في مختلف البلدان التي كان يقصدها المصورون للتصوير والتوثيق.
عدسات إنثروبولوجية
هذه العدسات التي اختارت أن تضيء لنا الطريق باتجاه العالم الإنساني المجهول هي عدسات إنثروبولوجية بامتياز، فهي تتأمل، وتكتب، وتوثق، يوميات الإنسان البعيد عن دائرة الضوء، والبعد هنا يحتمل الوجهين: الحقيقي والمجازي، لأن الضوء الساطع هناك لا يحضر بكل دهشته الفائضة إلا عبر عين تدربت على قراءة الإنسان كدفتر مفتوح على كل اللغات.
في المعرض ندلف إلى تجربة فريق من المصورين المشغولين في الأغلب بالإنسان الآيل للنسيان، المنتمي لتلك الكتل البشرية الذين تعارفنا على وصفهم بالشعوب البدائية للتذكير بترتيبهم على سلم الحضارة الإنسانية اليوم، يحيلون كاميراتهم إلى مرايا تنهض معها الكثير من الصور والمعاني.
مقاربة التفاصيل
وكما يصغي المطر لتعابير الحياة في إثيوبيا، يتجه هاشم الطويلب إلى فائض التعابير في وجوه الفيتناميين وقبائل الهمونج، مستفيداً من قوة الضوء في ترسيم الإيحاءات الجمالية التي تهبها وضعيات الشخوص ضمن إطار الصور، وبالمثل يفعل في مقاربة تفاصيل البيئة المحلية عبر اللباس واللون والمهن، حيث تبدو النسوة عنوانا للعطاء والبذل، في شاعرية اللون الذي ينساب منسجماً في هارمونية لونية لافتة.
أحادية اللون
وبذات الحس يراهن أشرف الأحمد على البورترية في كتابة سرديات المكان وهو يستدرجنا للتعرف على الناس في أقاليم الهند، وجوه تتفوق على صمتها وهي تنظر إلى العدسة مباشرة، في قصدية واضحة من الأحمد للاستثمار في غموضها لتوسيع فضاء الاحتمالات حولها، فهي صور تمارس الهمس دون أن تنتزع التآويل من الناظر إليها، صور على حافة الكلام لكنها تبقى متأهبة للانكفاء على صمتها المفضوح.
الاتكاء على البياض
في المقابل، تبدو بورتريهات نديم الصويميل المأخوذة من كمبوديا وفيتنام وبنجلاديش أكثر درامية في أحاديتها اللونية التي تعيدنا إلى جوانية الصورة، أي إلى الجوهري في بناء الصورة ودلالاتها، حيث الصورة تعبر عن مكنونها من دون زخرف لوني، لا شيء يعطل انطلاقاتها في مشهد التواصل البصري والتي تنسج من نظرات العيون حيواتها الممكنة، فعمق الصورة هو في ذلك التلاقي الجاد بين اللونين، والتكوينات الرهيفة التي تهندس بناءاتها الجمالية بقليل من التكلف.
سرديات المكان
مهدي العوى هو الآخر يتكئ على الأبيض والأسود في تأويل أوجاع الوجوه التي تهمس لنا بطرقات العمر الطويلة، يعبر إلى أسرار هذا المزيج اللوني المحايد من هذا الجدل بين الاثنين في إيحاءات الرسم بالفحم التي تهندس العلاقة بين الظل والضوء في حدود الصورة، ثمة مسحة تشكيلية صريحة تـأخذنا من حدود المكان إلى سعة الإمكانات التي يمضي إليها العوى في شهوة الحرق في مختبرات التعديل، وهو يشير إلينا بحالة التماس العاطفي التي يحياها مع صناعة البورتريهات، باعتبارها منصته الإبداعية الأثيرة.
أشواق المسافرين
ولأن الصورة سفر، أي أنها سفر في المكان والزمان، يختار بدر المحروس أن يلوح لنا بأشواق المسافرين عبر محطات القطار في العراق مستفيداً من لعبة التأطير لاستيهام لعبة القص، حيث تسلسل اللقطات بما يشبه التأكيد على خزين العواطف الذي يسكن المسافرين في القطارات المزدحمة..نسوة وأطفال يلوحون للريح بنظراتهم الشاردة ووضعياتهم المتباينة عبر الصور، يعيد المحروس موضعتهم ضمن ثيمة السفر والترحال التي لا تزيدها النوافذ التي تفصل المسافرين عن العالم الخارجي إلا انكشافاً، وانغماساً، في أحاسيس المسافرين التي لا تبخل في وصف حالات الانتظار والترقب والتعب والفرح.
سبر ثقافي
كل هذه الصور التي تسافر بنا عبر أطياف من الحساسيات الفنية المختلفة تذكرنا بإغراءات الكاميرا لمشاكلة أدوار علماء الإناسة أو الإنثربولوجيين، بما هي جزء من عمليات السبر الثقافي لحياة الشعوب، وبما هي وثيقة قادرة على استبطان معان ومعارف تساعد في فهم عوالم الإنسان الثقافية، ووفق شروط الصورة الجمالية والفنية، وهذا ما يخامر المصورين الرحالة في هذا المعروض وهم يكتبون بعدساتهم نصوصاً مليئة بالحياة وبالأسئلة معاً.
يستمر المعرض لمدة أسبوع كامل، يتخلله عدد من الورش والمحاضرات المسائية المخصصة لاستعراض بعض التجارب المحلية، وبعض القراءات النقدية.