الرأي

كلنا مربعات تتريس

شاهر النهاري
في التسعينات قامت روسيا باختراع لعبة تَتريس (Tetris)؛ وهي لعبة فيديو على شكل أحجية فكرية ذكية تم تصميمها من قبل (أليكسي باجيتنوف)، في 1985، وذلك أثناء عمله في الأكاديمية الروسية للعلوم في موسكو؛ وهي مستوحاة من اللفظ الإغريقي (تيترا)، وتعني (رباعي) حيث إنه استخدم للعبة أحجارا يحتوي كل واحد على أربعة مربعات مرتبة بطريقة مختلفة، وتنزل من أعلى الشاشة بتسارع، وتكمن حبكة اللعبة في قدرة اللاعب على رص أكبر عدد من الصفوف بواسطة تغيير اتجاهات الطوب، لتتناسب مع الصفوف الأسفل منها، والتي تختفي طبقاتها كلما كانت ممتلئة. وقد كانت هذه اللعبة فتحا تاريخيا في عالم الألعاب والتسلية البشرية، لم يحدث لها مثيل من قبل، حتى أدمنها الأغلبية من البشر، وتعددت أنواع أجهزتها، وأسعارها، لدرجة أن قامت الصين بتصنيع أجهزة زهيدة الثمن، بحجم الكف، تحتوي على تلك اللعبة، وجعلتها لعبة الفقير قبل الغني. وحيث إن الشيء بالشيء يذكر، فالإنسان من وجهة نظري نفسيا وعقائديا واجتماعيا وفكريا ليس إلا شكل محدد وبأحجام مختلفة، يمر على أحداث الدنيا، وعلى العلاقات والمشاعر بسرعة كما تنزل وتتعاقب تلك الطوبات لتجد لها المكان المناسب للزمان والإنسان والحدث والسرعة. تفكر في ذاتك، واسأل روحك، فهل تعتقد أنك تتشابه مع أحد من أحبابك أو أصدقائك تشابها يصل للتطابق؟. وهل هذا التطابق صحي، بحيث إنك وإياه تشابهان قطعتين متطابقتين عندما تلتقيان في ظروف موحدة، ومن جهة معينة فلا بد أن تتركا بينكما فراغات عديدة، وأن وجود الاختلاف يجعلكما تملآن الفراغات بينكما لتكملا الأجزاء المهيأة مع بقية طوب المجتمع والوطن، وبالتالي البشرية في شاشة سريالية تخيلية عظمى. كلنا نهوى ونتمنى أن نقابل في حياتنا من يتقبلنا كما نحن، ودون أن نتقولب بما ليس فينا، وأن نخلق معه حياة متناسقة لا فراغات فيها، ولا حيرة، ولا عجلة تدعو للكذب ولا للتظاهر بما ليس فينا. كلنا لنا أحباب، ولكن ليس من الضروري أن يكونوا نسخة طبق الأصل منا، فما أجمل الاختلاف المتقابل المثمر، والذي يساعد على إكمال الصور، وتقوية الأواصر، ومد جسور المحبة والثقة والتعاون والأمل. صدقوني أن كارثة عالمنا الحالي، وخصوصا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، أنك إذا اختلفت عني، فأنت بالضرورة ضدي، وأنه لا داعي لمحاولة التكامل، ولا سبيل للوصول إلى تمازج عقلي فكري منطقي يدعو للالتحام والمحبة، ولا لتكامل الدور، ولسرعة بناء الوطن والحضارة بتنوع وتناغم محمود. الكل يدّعي أن طوبته هي الأمثل، وينجذب لمن هم مثله، مهما كثرت في سبيل التحامهم الفجوات المهلكة. لا أحد ينظر لمحيطه، ولمن حوله بأمل التكامل معهم، وسد الفُرج، حتى يكتمل البنيان. ليس مهما أن تكون سلفيا أو ليبراليا، ولا غيرهما من المسميات، ولكن الأهم أن نصل إلى لغة حوار ومحبة وقدرة على إكمال البناء الكلي، وليس لإراحة المشابه لنا ونبذ المختلف. كلنا لعبة تتريس، والزمان يتسارع، ولكن البعض يجهل كيف تكون حبكة تناغم الحياة، ويتركها تفسد بالتحدي والعناد، وللأسف فإنها دوما تنتهي بـ(قيم أوفر). shaher.a@makkahnp.com