الرأي

لعل صديقي اللبناني يستوعبني

شاهر النهاري
ليس مديحا فيهم، ولكنهم من أروع الشعوب إذا ما كان التفهم والإخاء حاضرين، وإذا كانت الجدية موجودة، وإذا لم تتحدث معهم بمنطق مزاح وزعبرة، تتصاعد فيها الملاعنة، حتى تقصف شتى أركان الكون!. صديقي اللبناني الأصيل، كريم الخاطر والنفس واليد، وهو يقدم لك قلبه ملفوفا بالسوليفان قبل أن يقدم لك طبق الحمص والتبولة، ولقمة المناقيش، وشقفة المشوي، وهو بكل طيبة قلب ومحبة يدعو الله أن تعدمه إذا لم تلتهمها من بين أصابعه، كرما ومحبة، (واللو). صديقي اللبناني عمق ثقافة سريانية فينيقية، وله جذور إغريقية، وأصول تركية، وعروق أرزة ريف شامية، وبلكنة فرنسية، ومشاعر أموية، يؤكدها بلغته العربية القح، متعطشة الجيم، وهي تتعشق لسانه، وتعتز به. صديقي اللبناني عملي عصري، يتقن ما بين يديه، ويعرف بعدها كيف يستريح، بعشق للحسن والرفاهية والنزاهة والمزاج الرائق، فلا تنتهي تطلعاته المتفائلة، بقلب يعشق كل جميل، وأناقة في المظهر، وتناغم الملبس والحركات، وحتى في اختيار لون سيارته وموديلها، رغم مادياته الصعبة. صديقي اللبناني، شموخ أعمدة مسرح بعلبكي يفاخر بأبعاد صدى الفيروز، وصوان الصافي، وأرز سعيد عقل، وسمو فلسفة جبران؛ ولم لا وخبطة قدمه على الأرض هدارة، حينما يعشق لبنانه، بشماله وجنوبه وسهله، ويثبت أن حبة من ترابه بكنوز الدنيا. صديقي اللبناني عاشق للسعودية، والخليج والعرب، وهو يعرف عن مصداقية وتجذر علاقة بلده مع تلك البلدان الصديقة الشقيقة، ويقدر أدوارها القديمة والجديدة، ويعرف الكثير عن تراثها، وينسجم مع حاضرها ببشت ذهبي يزين أكتافه، وشروال واسع، وبابيونة حمراء. صديقي اللبناني قابلني اليوم، بعين عتب تحاول البسمة محوه، و(عاأقد) المحبة العتب كثير. وسألني شو صاير في بلد العيد، وكيف أن الأحداث الأخيرة تكاد تشوه علاقة حب السعودية للبنان!. وشرح لي حال الشعب اللبناني، المعتدل، الحبيب، والذي يسعى لبقاء علاقته بأخوة قديمة أصيلة متجددة مخلصة، وكيف أن حيلته هو ومن هم مثله قاصرة، فشياطين الفرس خادعوا وتعملقوا فوق زوايا البلد، حتى لم يعد يتنفس إلا من خلال حزبهم، بأنفاس تضيق بسمومهم في الجو والأرض، والفكر والعنصرية، والمشاعر، التي أصبحت دموية. لبنان الآن مزروعة على الداير نار وبواريد، ولا يظهر أنها عم تخلق من جديد، فالفرقة حصلت، والخوف والتخوين سكن الضيع والشوارع، ومختار المخاتير، لم يعد يسمع الحكاية، ولا يعرف كيف يحكم، والأمر لم يعد بيده. المقاومة لم تكن إلا لقمع الحرية، وزرع الشتات، وتصدير الثورة، وبيع الأرض، للعجم. ونزلت دمعة من عين صديقي: كيف تتركوننا ونحن بكم كل شيء، وبدونكم ينقصنا ألف شيء؟. وبتعاطف مني أخبرته أن أثرياء لبنان، هم من ارتضى الحال الذليل، حينما أغلق كل زعيم ضيعته على نفسه، وصنع أمنه الخاص، وشعبه الخاص، وقنوات إعلامه الخاصة، وتركوا المُهرب (ملهب)، في مسرحية يعيش يعيش، يعيث بالأرض والسماء فسادا، ويتلاعب بالقانون والحكم، ويصدق حكاية مقاومته. كما أن دور الشعب اللبناني الأبي المشهور بالحرية والتظاهر أصبح سلبيا، مستسلما بالتناقض، ونبذ الجماعية، وهذا ما جعل مملكتنا ودول الخليج ترفض أن تهب المساعدات لأيد تسعى للخروج عن الصف. shaher.a@makkahnp.com