البس حذائي
دبس الرمان
الثلاثاء / 24 / شعبان / 1437 هـ - 23:45 - الثلاثاء 31 مايو 2016 23:45
ولد متشددا ولم يعرف من الدنيا إلا ما تلقنه منذ صغره كقناعات دينية لها علاقة مباشرة بهويته ومغزى وجوده في الدنيا، وما مصيره في الآخرة. تشرب المظلومية والجهادية، وبدأ يتعلم كيف يسقط كل ما يحصل حوله من أيديولوجيات ومطامع سياسية عليها. يشعر في كثير من الأحيان بالرغبة في وضع هذا الحمل الجاثم من الاعتقادات عن عقله وإفساح المجال للحوار ولإحلال بعض القناعات المعاصرة التي تساعده على العيش مع نفسه والتعايش مع غيره بسلام وهدوء، ولكن تأجج الأوضاع حوله يجعله دائما متأهبا للدفاع عما يؤمن أنه كينونته وانتماؤه، والأهم قدره ومصيره.
في حياتنا الكثير والكثير من المشاهد المختلفة لظروف ومواقف وحيثيات حياتية تمثل التنوع والاختلاف البشري الذي أراده الله لحكمة تكامل وتضاد المشهد الإنساني، وليختبر الله قدرتنا على التعايش، الصبر، والأهم التعاطف. نعم التعاطف، وهو قدرتك على استشعار الآخرين ودواخلهم وظروفهم. هو قدرتك على تفهم ردود أفعالهم ومسبباتهم ودوافعهم. هو قدرتك على تلبس احتياجاتهم وإدراك مدى ألمهم أو فرحهم. والأهم هو قدرتك على التعذر لهم، ومن ثم الشعور بالرحمة التي تروض رد فعلك البدائي نحو الغريب والمختلف والمضاد، وتنزل بك من علياء الاعتيادية والأنا إلى أرض التفاهم والقدرة على التحاور والتعايش.
إن امتلاكك لملكة التعاطف لن يجعل منك فقط شخصا أفضل على مستوى أصدقائك وعائلتك ومحيطك، بل سيجعلك شخصا أفضل على مستوى هدوئك النفسي، قدرتك على تفهم احتياجات الآخرين، امتلاكك الصبر والتفاني لمساعدتهم، والتفنن في إيجاد سبل للتواصل والتلاحم والإقناع، لذا تعاطف مع ذاك المتشدد الذي تربى ونشأ وزرع بداخله أن الدين متمثل في التمسك بمظاهر الماضي، ويحاول الذود عن دينه بالصد لهجمات الحداثة. وتعاطف مع ذاك الذي ألحد في محاولة منه للهروب من حيرة الصراع بين موروثات الدين الخاطئة في مقابل منطقيات العقل الجافة. وتعاطف مع ذاك الذي يكره الإسلام والمسلمين ويحارب هجرتهم إلى بلاده وهو يرى توافدهم وانتشارهم بأعداد كبيرة. وتعاطف مع ذاك الذي ولد في وطن ونشأ فيه ولا يعرف غيره ويعامل كل يوم فيه على أنه غريب. وتعاطف مع أبويك وزوجتك وأولادك وأصدقائك وكل من حولك. تعاطف معهم جميعا تعاطفا غرضه فهم طبيعة الضعف الإنساني. وهدفه إيجاد الحلول، والأنظمة والمبادرات التي تساعد على تحسين الأوضاع، وتسوية المشاحنات، والأهم إحلال الرحمة التي تغذي التعايش والسلام.
heba.q@makkahnp.com