باحث يصف محاولات أمريكا لنشر الديمقراطية بالفاشلة
السبت / 21 / شعبان / 1437 هـ - 03:00 - السبت 28 مايو 2016 03:00
مبالغات المفكرين عندما يتحدثون عن الحكومات وأنظمة الحكم لم تكن حكرا على فترة تاريخية محددة، ففي القرن التاسع عشر، ادَّعى عدد من المنظرين أنهم اكتشفوا مفتاح التاريخ.
فعرفه كارل ماركس بأنه صراع الطبقات، فيما قال آخرون إنه ناتج عن الصراع بين الأعراق المختلفة، وبالرغم من أن هذه الأفكار سلطت الضوء على بعض الجوانب المفيدة لفهم التاريخ، إلا أنها أفكار مبالغ فيها.
وفي القرن العشرين أيضا، أكدت مدرسة السياسة الواقعية للشؤون الخارجية أن الدول تبني سياساتها مع الدول الأخرى على أساس تعزيز قواها العسكرية والاقتصادية، وهذه رؤية قيِّمة بحد ذاتها، لكن أتباع الواقعية كثيرا ما يبالغون في أهمية نظرياتهم من خلال التقليل من شأن دور الأيديولوجيا في الشؤون الدولية. وبشكل مماثل، فإن المقولة بأن الدول الديمقراطية تميل إلى عدم خوض حروب ضد بعضها البعض صحيحة بشكل عام، لكنها كثيرا ما يبالغ أصحاب نظريات السلام الديمقراطي حين يقولون إن هذه الدول لا تتصادم فيما بينها عسكريا على الإطلاق.
وأحدثت نهاية الحرب الباردة تغييرا مهما وأساسيا في السياسة الخارجية الأمريكية. في كتاب «فشل المهمة: أمريكا والعالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة»، الذي لا يخلو أيضا من بعض المبالغات رغم أهميته، يطرح الأكاديمي والباحث في شؤون السياسة الخارجية مايكل ماندلبوم نظرية جديدة تقول إن أهداف ومهمات بناء الدولة هيمنت على نشاطات أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، بالرغم من فشل ذلك التوجه مرة بعد الأخرى.
وفي العقود التي سبقت نهاية الحرب الباردة، كانت أمريكا مثل جميع الدول الأخرى في كافة المراحل التاريخية، تستخدم القوة العسكرية للدفاع عن نفسها وعن مصالحها وحلفائها في شتى أنحاء العالم ضد المخاطر الدولية. ولكن مع نهاية الحرب الباردة، بدأت تلجأ إلى التدخل العسكري حتى في المناطق التي لا تتعرض فيها المصالح العسكرية للخطر.
أسباب إنسانية
وعلى سبيل المثال، لم يكن للصومال أو هايتي أو البوسنة أو كوسوفا أهمية استراتيجية أو اقتصادية لأمريكا، لكنها تدخلت في هذه المناطق لأسباب إنسانية بالدرجة الأولى، حسب رأي ماندلبوم. وفي كل حالة من هذه الحالات، كان التدخل الأمريكي يقود إلى جهود لتغيير الأنظمة السياسية والاقتصادية. وهكذا فإن غزو أفغانستان والعراق بعد هجمات 11 سبتمبر تحول، في رأي الكاتب، إلى مهمات مشابهة للتغيير وإعادة بناء الدولة. لكن أيا من هذه الجهود لم تكلل بالنجاح.
الجهود الأمريكية
ويبين «فشل المهمة» كيف أصبحت هذه المهمات مركزية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، حتى في العلاقات مع روسيا والصين في أوائل تسعينيات القرن العشرين، وكيف فشلت المهمات. ويوضح الكاتب كيف واجهت الجهود الأمريكية لإحلال السلام، والوحدة الوطنية، وتطبيق الديمقراطية، وفرض اقتصاد السوق الحر في بلدان تسودها الفوضى صعوبات كثيرة بسبب الولاءات الطائفية، والكراهية، وغياب التجارب التاريخية، والمهارات السياسية، والقيم العامة التي تتطلبها المؤسسات الأمريكية والغربية.
نظرية ماندلبوم
ويقول الكاتب إن تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات التي تلت سقوط جدار برلين يشير إلى اصطدام النوايا الأمريكية «الطيبة، وأحيانا النبيلة» مع الحقائق القاسية في مناطق بعيدة عن أمريكا. السنوات ما بين 1991 و 2014، بحسب نظرية ماندلبوم، كانت متميزة عن أي مرحلة من المراحل السابقة في التاريخ الأمريكي.
الخوف على المصالح
ولكن في الحقيقة فإن من المبالغة القول بأن أمريكا تدخلت في مناطق أخرى من العالم بعد نهاية الحرب الباردة لأسباب إنسانية فقط. ، يعترف ماندلبوم نفسه أن التدخل الأمريكي في كوسوفا كان جزئيا على الأقل، نتيجة مخاوف المسؤولين من أن تتعرض المصالح الأمريكية للخطر بسبب العدوان الصربي على كوسوفا الذي كان يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في أوروبا. كما أن غزو العراق لم يكن يهدف فقط لإعادة بناء الدولة بطريقة أفضل كما يدعي الكاتب، لكن السبب الرئيسي كان القلق الأمريكي من تعرض مصالحه للخطر بسبب نظام صدام حسين الذي كان يحاول الحصول على أسلحة دمار شامل.
ولكن بالرغم من بعض الأفكار المثيرة للجدل، فإن الكتاب يعد إضافة مهمة لفهم السياسة الخارجية الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة من زاوية جديدة.
مايكل ماندلبوم من مواليد 1946، أستاذ في السياسة الخارجية الأمريكية في جامعة جون هوبكينز للدراسات الدولية المتطورة. ألف أو شارك في تأليف ستة عشر كتابا من بينها «الأفكار التي فتحت العالم» و»معنى الرياضة». حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفارد.
مايكل ماندلبوم من مواليد 1946 أستاذ في السياسة الخارجية الأمريكية في جامعة جون هوبكينز للدراسات الدولية المتطورة. ألف أو شارك في تأليف ستة عشر كتابا من « الأفكار التي فتحت العالم » بينها حاصل على .« معنى الرياضة » و شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفارد.