بركة يسأل في كتاب المترجم من يكون؟
الجمعة / 20 / شعبان / 1437 هـ - 02:30 - الجمعة 27 مايو 2016 02:30
يعرض عدد من النقاد أسئلة حول إمكانية نقل المترجم نصا ما من لغة إلى أخرى بأمانة ومن دون أي تشويه؟ وهل باستطاعته نسيان ذاتيته، وينقل النص الذي يترجمه نقلا موضوعيا وغير منحاز؟
وأعد الباحث في علوم اللغة أستاذ اللسانيات وأمين عام اتحاد المترجمين العرب الدكتور بسام بركة دراسة وافية بعنوان: المترجم من يكون؟
وتقدم بها لمؤسسة الفكر العربي، وحصلت «مكة» على نسخة منها.
وبين فيها كثرة الحديث عن الخيانة والأمانة في عملية الترجمة، فهناك عدد من المنظرين يرون المترجم خائنا لا محالة، وعمله انتقال من رؤية للعالم إلى رؤية أخرى لا يمكن أن تكون مطابقة لها.
وأكد بركة الحائز على جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة 2015 في دراسته على أهمية احترام المترجم للون المحلي في النص الأصلي وأبعاده الثقافية والاجتماعية وغرابته، حيث يرى منظرون بأنها هي إعادة للكتابة، ونوع من تطبيع النص الأصلي -كما يؤوله المترجم- في عالم اللغة الثانية بما ينسجم مع الأطر الفكرية والروحية لهذه اللغة التي يترجم إليها.
ذاتية المترجم
تساءل بركة في الدراسة: أين تقع ذاتية المترجم، وهل هناك من تأثير لرؤيته الخاصة به لواقعه في عمله الذي يؤديه؟ وللإجابة عن هذا السؤال، عاد الباحث إلى أسطورة هرمس وأبولون اليونانية، والتي ترمز إلى موقفين متمايزين من النص والخطاب، وهما العبودية والإبداع، مستخلصا أن هناك قطبين في مجال التواصل بين البشر.
فهرمس، كما جاء في الأسطورة، لم يعد قادرا على الإبداع وفرض عليه أن يكون ناقلا للرسائل وألا يتكلم من تلقاء ذاته أو يعبر عن جوارح نفسه وتوجب عليه النقل بكل أمانة.
وبذلك أصبح ناقل كلمات ورسائل وفاقدا لحريته ومجبرا على أن يكرر كلمات الآخرين ويعيد أقوالهم، وباتت خطاباته تفتقد إلى الحرية والشخصية.
وأوضح الباحث أنه إذا كان هرمس ناقل كلام وأبولون صاحب تنبؤات فلا بد لكليهما من استعمال الكلام، واللغة جوهرية في أداء عملهما، لكن، وإن كان كل واحد منهما يخاطب البشر، فاستعمال الكلام مختلف جذريا عندهما، والخطاب الذي يقدمه هرمس ليس سوى «رسالة منقولة»، أما عند أبولون فالكلام إبداعات وتنبؤات فنية.
صورتان للمترجم
- يتخذ المترجم هرمس مثالا له فيقدم نصا بديلا عن النص الأصلي، ولكنه صورة عنه ينقلها من لغتها الأولى إلى لغة ثانية، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أنه يمنع عليه التعبير عن نفسه أو الاهتمام بقارئه، وبكلمة مختصرة يكون عبدا للنص الذي يترجمه.
- إذا كانت الترجمة في بداية الأمر قراءة للنص الأصلي وفهما له وتأويلا لما يتضمنه، فذلك يعني أن عمل المترجم يبدأ بنوع من الحوار بينه وبين كاتب النص الأصلي.وأطراف الحوار كلهم يتدخلون في صياغته أكانوا متكلمين أم مخاطبين (كما يؤكد علم التواصل المعاصر)، وذلك يعني بأن تدخل المترجم في عمل الكاتب أمرلا مناص منه، مهما حاول أن يحد من ذلك.