السينما ثقافة ونظام قبل تشييد الدور
الخميس / 19 / شعبان / 1437 هـ - 00:45 - الخميس 26 مايو 2016 00:45
يدعي بعض كبار السن بأننا كنّا نمتلك السينما قبل الصحوة، في معظم مدن المملكة، وفي النوادي الرياضية، وبعض التجمعات والفنادق.
وبالتالي فإن عودتها في وقتنا الحالي سيكون أمرا سهلا، وبمجرد تهيئة المباني، وبأقل مجهود على اعتبار أننا اليوم أكثر وعيا وانفتاحا عما كنا عليه قبل ثلاثة عقود!.
وتلك للأسف نظرة مغلوطة للواقع والمتغيرات، فالأمور لا يمكن أن تقاس بهذا الشكل السطحي، ويجب أن نميز بين السينمات المحترمة، وبين تلك السينمات المزعومة، التي كانت تدار بالدس، ويحضر إليها روادها الرجال بالخفاء، وربما يستمتعون بسماع التعليقات البذيئة، التي تخدش الحياء، وتهدم أي أسس للرقي.
ويتذكر الكبار منا كيف أن دخول تلك السينمات لم يكن إلا مغامرة غير محسوبة العواقب، وربما تنتهي بمشاعيب ودماء، وتقطيب الجمجمة، وتحقيق وتوقيف، هذا إذا ما استثنينا من ذلك سينما مجمع (أرامكو)، والتي كانت لا تختلف كثيرا عن أرقى دور السينما في العالم المتحضر في حينه سواء في الإمكانيات أو في نظم ونوعية وثقافة الحضور.
للواقع، علينا أن نقر بأن السعودية مرت بفترة منع وتشدد داخلي طويلة، وسيطرة فكرية وجسدية بواسطة المتشددين، ولا أظنه من السهل على شعبنا طي الزمان والأيدلوجيات ليصبحوا بين يوم وليلة تماما مثل أي شعب آخر منفتح يحضرون فيلما عاطفيا، وبجانبهم قسم العائلات، والأطفال، وبدون أن يمتطي بعض شبابهم عفاريت الجنون، والتمرد على كل خلق، وحضارة، ورقي، وربما يقومون بتبديد أي لحظات سلام واحترام لحدود ومشاعر الآخرين.
الأمر عظيم، وهو يحتاج لدراسات اجتماعية واحتياطات أمنية، ووضع قوانين صارمة نافذة تطبق على الجميع، وتشعر كل شخص بأنه آمن على سمعه وبصره، ونفسه، وأسرته، قبل التسرع بالدخول في أي نشاط جماعي يشترك فيه الرجل والأنثى والطفل.
قانون تجريم التحرش اللفظي والبصري والعملي ضرورة نحتاجها كخطوة أولى لأي تقدم.
وبدون القوانين الصارمة لا أظن البلد مستعد لا للسينما، ولا لقيادة المرأة للسيارة.
وبدون تطبيق القانون بصرامة لا يمكن لنا أن نتقدم قيد أنملة، وسنظل نرى من يتجرأ، ويخدش، ويمانع ويعاند، ومن يتشدد ويناصح مدعيا حقه بالحسبة، ومن يثير الشغب لمجرد أنه لا يجد من يردعه.
القوانين هي الأسس المتينة، التي تبنى عليها دعائم التحضر والمدنية والإنسانية، وبالتالي تبنى عليها دور السينما والمسارح والعروض الفنية والترفيهية.
والقوانين لا بد من تأصيلها حتى يتعوّدها الجميع، كما حصل في دولة الإمارات الشقيقة، بحيث يشعر الإنسان هناك بأنه حر غير مراقب ولا مضايق ولا مهدد بالسباب والتحرش، ولا مضيق عليه وعلى أسرته الخناق طالما أنه يسير بإنسانيته وبحدود القانون، وطالما أن لديه القدرة على التعايش السلمي مع الآخرين، ودون أن يشعر بأنه رقيب على أحد، أو أنه لعبة للآخرين.
القانون هو الميزان الإنساني الأمثل، الذي بنيت عليه أركان الكون؛ والعدالة في التطبيق هي سر الثبات والبقاء لكل ملكوت.
لا نريد دور سينما تتحول لمناطق شبهات وخوف وشرور، ولا ترفيها يتحول لحلبات مصارعة متوحشة، وبقاء للأعنف الأقوى بيده ولسانه، على حساب المواطن المحترم المسالم الملتزم الراقي.
shaher.a@makkahnp.com