الحرز: المثقف الحقيقي لا يحافظ على الهويات
الخميس / 19 / شعبان / 1437 هـ - 01:15 - الخميس 26 مايو 2016 01:15
أكد الناقد والشاعر محمد الحرز على أن الثقافة لم تعد من السهولة بمكان، لا على مستوى التعريف أو التصور أو الوظيفة أو حتى المكانة في سلم القيم للحياة المعاصرة، بل تشظت حياة الإنسان ودخلت في دوامة الحياة النفعية.
1 الشعر ترياق فني لروح الشاعر والمتلقي من متاعب الحياة، هل لا يزال كذلك في عصر استهلاكي بامتياز؟
نعم الشعر ترياق، وهو خلاص الكائن للعبور به إلى الضفة الأخرى من الحياة، وخلاص الكائن هو بالنهاية امتناع العالم عن سقوطه في الوحل، ولولاه لما استمرت الحياة على الأرض، ولما أبدع الإنسان حضاراته على مر التاريخ، إنه الحبل السري الذي يشد الكون إلى نفسه، هو الأصل وما سيأتي لاحقا في الحياة يكون الصورة، والالتفات إلى الأصل هو التفات إلى الحلم الموعود الذي لا ينفك يغذي الإنسان، كي لا يقع في منتصف الطريق، لذلك سمة الاستهلاك التي تغلف الحياة المعاصرة لن تؤدي بالشعر إلى الانحسار، بل نرى مقاومته أشد فتكا.
2 «الشعر ديوان العرب» من واقع الربيع العربي ومتغيرات المجتمعات العربية، هل ترى له دورا في كتابة الثابت والمتحول العربي؟
ليس ثمة ارتباط كما يطرحه السؤال بين «ربيع الواقع العربي» وبين دور الشعر باعتباره ديوان العرب في كتابة «الثابت والمتحول العربي»، الافتراض خاطئ بالأساس، بنية الشعر لا تنهض على المتغير الآني واللحظي للمجتمعات، هي بنية تدخل في تأسيس القيم للمجتمعات والعرب ليس بدعا في ذلك، وتأثير الشعر لا يتحدد بثورة سياسية هنا أو هناك، هو ثورة مستمرة وبطيئة وغير مرئية على جملة القيم التي بدأت تكف عن وظيفتها الجمالية والأيديولوجية والثقافية، وهنا السؤال: هل هذا النوع من الثورات في الشعر والأدب والثقافة العربية برزت ملامحه ولو على استحياء؟ أشك في ذلك.
3 أين تنتهي علاقتك بالشعر؟
عند الموت. ويمكن أصل إلى حد النضوب أو انحسار المخيلة، لكنه يظل هو الأكسجين الذي نتنفسه، ونراه في وجوه من نحب، ووجوه الذين غادرونا، ووجوه من نرغب أن نراهم ونتذكرهم، وحتى وجوه أعدائنا الذين في لحظة ما في الحياة نحنو إلى قساوتهم، هكذا أرى العلاقة بيني وبينه.
4 ما دور الثقافة في تشكيل وعي متقارب مع متغيراتنا التي اختطفتها التقنيات الحديثة؟
أي ثقافة يقصد السؤال هنا؟ وأي دور منوط بها للتغيير؟ كما يعلم الجميع لم تعد الثقافة من السهولة بمكان لأعلى مستوى التعريف أو التصور أو الوظيفة أو حتى المكانة في سلم القيم للحياة المعاصرة، بل تشظت حياة الإنسان ودخلت في دوامة الحياة النفعية، وانحسر عن أفق الثقافة ارتباطها منذ أوائل القرن الماضي بالأيديولوجيات الكبرى التي حركت الثوار، وصنعت القادة، وكبار المثقفين والسياسيين، وحولت قيم المجتمع إلى نقيضها، هذا الانحسار هو المتغير البارز في الحياة المعاصرة عربيا كان أو عالميا.
5 ما دور المثقف المعاصر في الحفاظ على الهويات التي تتنازعها كثير من التعقيدات السياسية والاجتماعية؟
المثقف الحقيقي - وحقيقي هنا لا تحمل إلا على المجاز أي بمعنى المتفرد - لا يحافظ على الهويات، هو عابر لها بالضرورة، هو العابر والمستمر في العبور بين بين، كما يقول جيل دولوز، وفي عبوره يتحقق شرط المواجهة ضد كل خطاب سياسي وكل أيديولوجيا وكل تدجين للكائن من طرف أي سلطة قائمة.
6 ما الذي جعل الطائفية تقتات من طاقتنا الفكرية، بدلا من ذوبانها في قبولنا لبعضنا؟
الطائفية جزء من تشكل الأديان عبر التاريخ، وهو جزء طبيعي طالما لم يخرج من صراع الأفكار إلى الصراع السياسي، هذا الخروج هو ما نسميه الطائفية السياسية، حدث مع المسيحية والإسلام، لذلك الطائفية السياسية قدر تاريخي، والمسيحية تخلصت منه، بينما نحن العرب لم نزل نتخبط في البدايات، لذلك من يريد تجاوز هذا القدر عليه تفكيك الأصول التي بنيت عليها.
7 الفوضى التي أنتجها الربيع العربي.. كيف يمكن أن نلم شتاتها دون أن نفقد عقولنا؟ وهل تغير الشعر بعده؟
الفوضى هنا لا تعني الشتات الأول، مصطلح يستعمل في الدوائر السياسية ويوظف لتمرير خطاب سياسي للهيمنة والسيطرة، بينما الثاني هو مصطلح لوصف ظاهرة اجتماعية حدثت مع مجتمعات ترحلت عن أراضيها طوعا أو كرها، كما الأكراد أو اليهود وأخيرا الشعب الفلسطيني، وعليه ضبط المصطلح ووضعه موضعه الصحيح في الفهم والتفسير هو ما يوسع من فاعلية عقولنا ويجعلنا بالنهاية لا نفقدها كما يقول سؤالك.
والشعر ليس ديكورا مثل واجهة المحلات حتى يتم تغييره إذا ما طرأ سبب ما، ولا جسرا يمكن إزالته عن الطريق إذا انتفت حاجته، إنه كما قلت سابقا ثورة مستمرة تتصل بقيم الإنسان من العمق.