الرأي

مبادئ العلاقات الدولية من منظور إسلامي

مصطفى عثمان إسماعيل
مواصلة لمقالي السابق (العلاقات الدولية في الإسلام.. مبادئ أم نظريات؟) أشير إلى أن الإمام محمد أبو زهرة حدد مبادئ العلاقات الدولية في الإسلام كما يلي: أولا: العدالة، وهي إعطاء كل ذي حق حقه، دون تأثر بمشاعر الحب لصديق أو كراهية لعدو. وتقتضي العدالة في مجال العلاقات الدولية أن تُبنى العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية على أساس العدالة لكافة الأطراف، وعدم الجور على طرف فيها من جراء هذا الاتفاق أو تلك المعاهدة. قال تعالى «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى». ثانيا: المساواة، وتعني إتاحة فرصة متساوية للحصول على الحقوق الأساسية للإنسان والتمتع بها في ضوء مقاصد الشريعة، لا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم، فكلنا لآدم وآدم من تراب، فالأصل واحد. وحديثا أدخل مصطلح المواطنة، وهذا المصطلح، وعلى ضوء التطور الذي حدث في العلاقات الدولية يحتاج من علماء العلاقات الدولية في الإسلام إلى وقفة متأنية ودراسة لهذا المصطلح في ضوء الاجتهادات التي يقومون بها. قال تعالى «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم». ثالثا: الحرية، وينبع مبدأ الحرية من قيمة المساواة بين البشر التي قررها الإسلام، وانتمائهم إلى أصل واحد يقتضي العدل، فالإنسان حر في اعتقاده «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وحر في إبداء رأيه. يقول النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم «لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم». لكن هذه الحرية ليست مطلقة بحيث إنها تتعدى إلى إيذاء الآخرين، أفرادا أو قبائل أو جماعات أو أمنا قوميا للوطن، فاحترام الحريات لا يعني التعدي على المقدسات. والمقدس يأخذ أشكالا وأنماطا مختلفة. وكل فرد وكل مجموعة وكل أمة لها مقدس. فعلينا عندما نتحدث عن الحريات أن نربط ذلك، مع عدم إيذاء أو إذلال الآخرين أو السخرية بهم، يقول تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون». رابعا: الوفاء بالعهود والمواثيق، وهذا تطبيق فعلي على أرض الواقع لقيم العدالة والمساواة والحرية. فالوفاء بالعهود والمواثيق يُعد عاملا أساسيا في العلاقات الداخلية والخارجية على السواء. الإسلام رفع شأن العهد حيث قال تعالى «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا». خامسا: مراعاة المصلحة العامة للدولة الإسلامية، أي تحقيق المنافع ودرء المفاسد. فقهاء الأمة متفقون على ضرورة مراعاة حال القوة والضعف للدولة الإسلامية في اتخاذ القرارات في مسائل العلاقات الخارجية حال الحرب والسلم. يقول تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة». وأخيرا فإنني لست من علماء الأصول حتى أخوض أكثر في هذا الموضوع، ولكنها دعوة للتفكر والاجتهاد، خاصة من علمائنا الأجلاء، غير أنني أميل إلى ما ذهب إليه العالم السوداني الدكتور التيجاني عبد القادر حامد في حديث هاتفي بيني وبينه قبل أيام، من أن ما يطلق عليه النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية هي في الحقيقة نظريات لعلماء مسلمين للعلاقات الدولية في الإسلام. فهناك مفاهيم ومبادئ للعلاقات الدولية في الإسلام، منها يجتهد العلماء لوضع نظرياتهم التي قد تلائم مجتمعاتهم وأزمانهم، وهي قابلة للتعديل والتطوير والإلغاء لعدم ملاءمتها لأزمان أخرى. فإذا أخذنا في الاعتبار الظرف التاريخي لتقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب ودار عهد، فإننا نجد أن العلاقات التي تربط الدول الآن بعضها ببعض تحتم علينا إعادة النظر في هذا التقسيم، إذ أصبح الأصل في العلاقات الدولية أنها علاقات دار العهد، وانحسر نطاق دار الحرب إلى الدول التي يوجد بينها وبين المسلمين حالة حرب فعلية. إن ما ذهب إليه علماء المسلمين من تنظير للعلاقات الدولية كالشيباني وأبو يوسف والأوزاعي وأبو حنيفة والإمام الشافعي والإمام جعفر الصادق والسرخسي والطحاوي وابن تيمية وابن القيم ومن سبقهم ومن جاء بعدهم، هي نظريات أو أُطروحات لعلماء مسلمين للعلاقات الدولية للإسلام، كلها تستقي من مصدرين أساسيين (القرآن الكريم والسنة المطهرة)، لكنهم فعلوا ذلك لزمانهم ومجتمعاتهم، وهذا لا يمنع من أن تأتي نظريات أو أُطروحات جديدة تعدل أو تلغي أو تطور هذه النظريات لتواكب التطور الذي حدث في العلاقات الدولية.. والله تعالى أعلم.