لم أكن أعرف أني إعلامية!
دبس الرمان
الثلاثاء / 17 / شعبان / 1437 هـ - 22:30 - الثلاثاء 24 مايو 2016 22:30
كانت تأتي كل يوم إلى مكان العمل متأخرة وتبدأ ديباجة التشكي بسبب أزمة المواصلات، ثم فجأة أصبحت تأتي في موعدها وتوقفت الشكوى، وحين سؤالها عن سر هذا التغيير، وهل أصبح أخيرا لديها سائق خاص، ابتسمت بسخرية وقالت (رب ضارة نافعة، فقد تم تسريح أخي من العمل، وهو الآن عاطل يقوم بإيصالي لعملي ثم ينطلق هو للبحث عن عمل)، اندفعت كل واحدة فينا تسألها عن مؤهلاته وعن تخصصه بغرض تشغيل علاقاتنا وفزعاتنا لمساعدته، فقالت بهمس محرج (تخصصه إعلام) ليطبق علينا جميعا صمت الحملان.
الإعلام هو أحد تلك التخصصات والمجالات التي لتعريفها العلمي منحى، ولتصور الناس عنها منحى مختلف تماما، فما يتخيله الناس عن مصطلح إعلام، إعلامي، إعلامية هو المذيع والمذيعة فقط. لذا حين يقول أحدهم: (تخصصي إعلام) تجد أول عبارة توجه إليه (أها يعني تبغى تسير مذيع في التلفزيون)، وقد عزز هذا التصور خريجو قسم الإعلام الذين من فرط ما تم إغراقهم في الأجزاء النظرية، وإهمال تدريبهم ميدانيا، غابوا عن المشهد الإعلامي تماما، في حين تصاعدت أسماء ومنجزات إعلامية لأشخاص لم يدرسوا الإعلام أكاديميا، ولكنهم مارسوه وعملوا به حبا وشغفا وأفكارا. وما زلت أذكر إحدى الصحف التي كلمني مسؤول فيها يسألني أن أساعدهم بنشر طلب توظيف لصحفيات وكاتبات ومحررات، وحين سألته لماذا لا يتعاونون مع قسم الإعلام في إحدى الجامعات، رد بضحكة ساخرة (لقد فعلنا وقمنا بعمل مقابلات مع مجموعة من الخريجين الذين صعقنا من مستوى أدائهم وافتقارهم الشديد للمهارات العملية والخبرات الميدانية، لذا قررنا البحث عن الموهوبين بغض النظر عن المؤهل الأكاديمي).
إن هذا التهميش المريع لمجال الإعلام الذي يعتبر أحد أقوى أدوات عصرنا الحالي، والتعامل معه بهذا الاستخفاف والتأخر، هو ما أدى إلى واقعنا الإعلامي الفقير بالأفكار الأصيلة والنماذج الحقيقية لشخص الإعلامي. بل والأنكى هو أن شقيق صديقتنا وأصدقاءه بعد تسريحهم من أعمالهم المكتبية، وعجزهم عن إيجاد وظائف في الشركات الخاصة بسبب افتقارهم للمهارات والخبرات الميدانية توجهوا للتقديم في ديوان الخدمة المدنية ليفاجؤوا بأن تخصصهم غير معتمد، وأنه ليس بإمكانهم الاندراج في وظيفة حكومية. ولأضحككم قليلا بعد كل هذه الكآبة، فقد فوجئت في إحدى المقابلات بأنهم يعرفونني بلقب (إعلامية) فسارعت بالتصحيح لهم بأنني كاتبة صحفية، فقاموا بالنظر لي باستغراب وهم يشرحون لي أن الكاتب الصحفي يعتبر مهنيا (إعلاميا)، فنظرت إليهم وقد اعتراني الإحراج الشديد وأنا أقول (حقا!)
heba.q@makkahnp.com