الرأي

الوزير السابع.. توفيق الربيعة

عانت وزارة الصحة في العامين الماضيين من عدم استقرار وزاري وإداري، بدأت بإقالة الوزير عبدالله الربيعة في أواخر شهر أبريل من عام 2014 وقبل اكتمال العامين بأيام قليلة تم تعيين الوزير السابع الدكتور توفيق الربيعة، أما الحقبة الزمنية القصيرة ما بين الوزيرين (الربيعة) فقد تعاقب على حمل حقيبتها نخبة من أكاديميين وتكنوقراطيين دون أن يستطيع أي منهم وضع يده على مكمن الخلل. الوزارة كما جرت العادة، لا تمنح كثيرا من الوقت لأي من وزرائها، حدث هذا في الماضي في زمن الأوبئة الذي بدأ بحمى الوادي المتصدع مرورا بوباء كورونا، رغم ما تم بذله من جهود لتطويق الوباء ومنع انتشاره، إلا أن إدارة الوزير الربيعة حينها فشلت فشلا ذريعا في التواصل مع المجتمع الذي بدأ يبحث عن مصادر أخرى لتطورات المرض ولم يكن ليثق كثيرا بما تطرحه الوزارة في الإعلام من أنباء وتطورات عن ذلك الوباء. الحكومة أيضا تتفاعل مع الرأي العام بكل ما يخص الشأن الصحي والخدمات الطبية المقدمة للمواطنين وتابعت باهتمام المقاطع التي تم تصويرها وتداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي من نشطاء أو مراجعين، وما قضية (شمسٍ شارزة) إلا مثال حي على ذلك. في هذه الفترة القصيرة جدا لم يخرج أحد من الوزراء ببرنامج واضح أو خارطة طريق تحدد المعالم التي سينتهجها، ما حدث هو أن الوزير الجديد يصعق بالكم الهائل من الملفات والقضايا المتعثرة والتي لا يستقيم معها التأني وكسب الوقت، وحين لا يقوم بعمل التغيير الحقيقي والجذري في الوقت المناسب، فإن الوزارة تُمارس بشغف لعبتها الشهيرة وتطيح بالوزير تلو الآخر وتبقى كما هي حصنا منيعا للبيروقراطية صامدة ضد أي رياح للتغيير والإصلاح. السخط الشعبي العام مما تقدمه الوزارة من خدمات صحية لا ترقى لطموح المواطنين أصبح أيضا متزايدا في هذين العامين، وعلى الرغم من أن مخصصات وزارة الصحة التي تحصل عليها من الحكومة تتراوح بين 6% إلى 6.5 % من الميزانية العامة للدولة. ومع الزيادة في الميزانية العامة في الخمسة أعوام الماضية (2011-2015) تمكنت الوزارة من الحصول على متوسط مقداره 52.6 مليار ريال سنويا، بينما كان المتوسط للأعوام الخمسة التي سبقتها (2006-2010) ما يقارب 27 مليار ريال. يتضح للعيان أن الوزارة تلقت ميزانية مضاعفة تقريبا في الخمسة أعوام الماضية والتي كان أبرز أحداثها تعاقب الستة وزراء على تولي حقيبتها، مع استمرار الارتباك الواضح في التعامل مع الأوبئة التي شهدتها المملكة سواء في برامج مكافحتها أو حتى بطريقتها للتعاطي مع قلق الرأي العام واستيائه. الآن وبعد موجة التفاؤل التي سادت المجتمع ببرامج التحول الوطني (رؤية 2030) تلقت الأوساط الطبية بسعادة يشوبها الكثير من الحذر نبأ تعيين الوزير توفيق الربيعة وزيرا سابعا. السعادة تكمن في أن قدومه أتى متزامنا مع الرغبة الحقيقية للتغيير الجذري من صناع القرار على كافة الأصعدة، وما تعيين الوزير الربيعة إلا خطوة رائعة بهذا الاتجاه. أما الحذر والقلق من عدم قدرة الوزير للقيام بالتغيير المنشود، فهو نتاج خبرات سابقة متراكمة مر بها كل أسلافه الوزراء، فهذه الوزارة العتيقة ستبذل كل ما تستطيع متسلحة بحرسها القديم ودهاليزها الضيقة ومديرياتها المترامية الأطراف وغير المترابطة وقرارها المركزي لكي تبقى صامدة تقاوم كل محاولات إعادة الهيكلة والتجديد، ستظل متمترسة خلف قلاعٍ وأسوارٍ عالية من البيروقراطية والمحسوبية والفساد. في الختام لا بد من الإشارة إلى أننا أصبحنا نقترب أكثر من أي وقتٍ مضى للمطالبة بالتفكير وبشكلٍ جديٍ بالقيام بدراسةٍ أفضل السُبل لتفكيك الوزارة وإنهاء خدماتها والاحتفاظ بالوزير (النجم) في هذه المرة. ولكي يحصل الوزير على أفضل فرص النجاح عليه ألا يلتفت إلى وكلائه ونوابه وتنفيذييه، بل عليه أن يذهب بنفسه إلى المرضى في المناطق الطرفية في الشمال والجنوب، عليه أن يبحث كذلك عن قائمة الأطباء النبلاء الذين أقاموا البرامج الرائدة لمحاربة الألم والمرض بنجاح شهد به الكثير من المنظمات الصحية العالمية ويقربهم إليه دون أن ينتظر منهم أي مبادرةٍ، فقد أعيتهم جميع محاولاتهم السابقة، هذا ما يجب أن يفعله الوزير توفيق الربيعة وفي الوقت المناسب وقبل فوات الأوان وهذا أمر شديد الأهمية. خبير ومحاضر دولي في جراحات البدانة