الرأي

بيئتنا القانونية طاردة أم جاذبة للاستثمار؟

محمد العوفي
البيئة التشريعية والتنظيمية أحد العناصر الرئيسة التي يعتمد عليها في تقييم مناخ الاستثمار في أي بلد من قبل الحكومات والشركات المحلية أو متعددة الجنسيات باعتباره المدخل الحقيقي للحكم على مدى توفر المقومات القانونية التي تحمي تلك الاستثمارات، كما أن القدرة التنافسية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هي الأخرى تعتمد على مقومات عدة منها الاستقرار السياسي، والأمني، والمالي، إلى جانب توفر بيئة تشريعية وقانونية متطورة بما يتوافق مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية السريعة والمتلاحقة.

جميع هذه المتغيرات تؤخذ في الاعتبار عند تقييم مناخ الاستثمار، ولا يمكن فصلها عن بعضها أو استبعاد أي عنصر منها، وإن كانت بعض الدراسات المتخصصة في منظمات الأعمال والاستثمار الأجنبي تضع البيئة التشريعية والقانونية في مرتبة متقدمة عند دراسة مناخ الاستثمار باعتباره مدخلا للاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي.

وبالنظر إلى وضع المملكة نجد أنها تعيش استقرارا سياسيا، وأمنيا، واقتصاديا، ويعني ذلك أن مقومات جذب الاستثمارات الأجنبية، ونجاح منظمات الأعمال المتعلقة بالاستقرار بشكل عام متوفرة، وفي المقابل نجد أن البيئة التشريعية والتنظمية لم تواكب الرؤية السعودية بما يتعلق بمقومات التنافسية الاقتصادية، فهي لا تزال تعاني من تقادم بعض الأنظمة، وغياب بعضها الآخر، كنظام الإفلاس، نظام الشركات غير الربحية، نظام الامتياز التجاري «الفرنشايز»، يضاف إلى ذلك عدم تفعيل دور المحاكم التجارية رغم صدور قرار بإنشاء ثلاث محاكم في الرياض والدمام وجدة، وإنشاء دوائر قضائية للنظر في القضايا التجارية في المحاكم العامة في 11 مدينة منذ ما يقارب نحو ست سنوات.

البيئة التشريعية والتنظيمية تظل الجانب الأضعف في جاذبية الاستثمار، وأبرز ملامح الرؤية السعودية 2030 جذب أكبر عدد من الاستثمارات الأجنبية، ورفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي إلى نحو 65%، لأنها بصورتها الحالية تقلل جاذبية الاستثمارات الأجنبية.

صحيح أن هناك تقدما ملموسا في تعديل كثير من الأنظمة في الفترات الأخيرة، ولا يزال هناك كثير من الأنظمة يحتاج إلى تحديث وتعديل، البعض منها لا يزال قيد الدرس لدى هيئة الخبراء أو الشورى، والبعض الآخر لا يزال في مراحله الأولى لدى الجهات التنفيذية، لكن إجراءات تطوير وتحديث الأنظمة تسير بصورة بطيئة، وتمر خلال قنوات متعددة مما يطيل أمدها، وبالتالي تفقد قيمتها عن إصدارها، وتحتاج إلى تحديث يمر خلال سلسلة طويلة من البيروقراطية الإدارية.

الحراك الذي تقوده هيئة الاستثمار، والمتمثل في تقليص إجراءات التراخيص للشركات الأجنبية، وتعديل كثير من إجراءاتها لن يكون وحده كافيا إن لم يتم تطوير وتحسين البيئة التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالاستثمار بشكل كامل، لتكون عامل جذب للاستثمارات الأجنبية، على أن تتم المراجعة بشكل دوري لهذه السياسات والإجراءات الإدارية، والحوافز التشجيعية، والإعفاءات الجمركية، وتحديثها وفق ما يستجد في السياسات الاقتصادية والمالية العالمية.

والرهان على نجاح الاستثمار الأجنبي ودوره المستقبلي في تنويع القاعدة الاقتصادية ينطلق من وجود بيئة تشريعية وتنظيمية متطورة وحديثة قادرة على حماية تلك الاستثمارات، وحماية السوق المحلي من التعاملات التجارية غير العادلة، وكذلك وجود محاكم تجارية تتسم إجراءات التقاضي فيها بالسرعة والمرونة بما لا يؤثر على سير أعمال تلك الشركات.

زبدة القول إن المستثمر الأجنبي يولي اهتماما كبيرا للبيئة القانونية والأنظمة الحاكمة لنشاطه، وعليها يبني كثيرا من قراراته الاستثمارية؛ بما فيها الدخول في شراكات تجارية واقتصادية، ومتى توفرات البيئة القانونية والتشريعية التي تواكب الانفتاح العالمي والاقتصادي، وبما لا يتعارض مع مصالح المملكة، فإن الرهان على الاستثمار الأجنبي سيكون ناجحا، وستكون أداة لترويج الاستثمار الأجنبي، وبدون تطويرها سيظل التردد السمة الأبرز للمستثمرين مهما كانت جهود الترويج للاستثمار واستقطابه.

alofi.m@makkahnp.com