الرأي

السفير الكاجول وإدارة «أوباما أندروود»

تطهى في أروقة الكونجرس الأمريكي طبخة قذرة، والمطلوب أن نأكلها نحن السعوديين، والسبب باختصار ظهور بعض من القوة الحقيقية للسعودية وقدرتها بأقل جهد صناعة تحالفات ضاربة، إضافة إلى القوة الاقتصادية، وفوق هذا كله مهد ديانة ملياري إنسان على الكرة الأرضية، ملايين منهم يعيشون في أمريكا والدول المرتبطة بمصالح مع العم سام.

قبل زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة أخيرا كان المحللون يجزمون أن تحت الرماد نارا أعادت العلاقات إلى أزمة 1973، ومع حفلة التفاؤل التي ظهرت من ابتسامات أوباما في الرياض تقلبت الآراء بين مصدق ضحكة الثعلب ومتعود على الرئيس الضعيف.

يكذب السياسي الأمريكي التنفيذي عندما يرفع كتفيه بأن الكونجرس يتحكم في الأمور كليا، بين أعضاء مؤيدين ومعارضين للسياسة الأمريكية إزاء المملكة، والدليل على ذلك أن الرئيس أصدر قرار تنفيذيا دون الرجوع للكونجرس بالسماح للمتحولين جنسيا ولو بالشعور باستخدام دورات مياه النساء، وما هذا إلا أمر بسيط أمام سقطات أوبامية كثيرة.

آخر التطورات التي ترفع الإدارة الأمريكية كتفيها في مقابلها هي محاولة الكونجرس بقيادة السيناتور النيويوركي تشاك شومر، دفع أسر ضحايا 11 سبتمبر لمقاضاة المملكة بتهمة تمويل الإرهاب، والهدف واضح ببساطة هو الودائع السعودية في الولايات المتحدة التي إن نجحت هذه الطبخة القذرة، سيعوض الضحايا منها بقرار من المحكمة العليا، كما حدث مع إيران التي كثر محبوها في الكونجرس أخيرا.

السيناريو هنا لا يحتاج إلى خبير، فتحرك الشيخ شومر أتى مباشرة عقب إعلان وزارة الخزانة لأول مرة في التاريخ الأمريكي عن الودائع السعودية. هل نحن سذج إلى درجة لا نفهم التنسيق بين السياسي التشريعي والتنفيذي الأمريكي في هذه الطبخة التي حتى وإن كنا أقوياء نحن لا بد أن نكون أكثر قوة، ليس كي لا نأكلها فحسب، بل أيضا لنضع أسسا جديدة لعلاقتنا مع الحليفة الكبرى وإدارتها المقبلة.

الإدارة الأمريكية اليوم تشبه المسلسل الأمريكي الشهير «بيت الكروت»، والاسم يرمز إلى اللعب بالكروت في البيت الأبيض، بين السياسيين لضرب بعضهم بعضا، وصناعة تحالفات تارة وأحيانا أخرى استخدام أقذر الطرق كالقتل وتلفيق التهم للوصول إلى أعلى المناصب في الإدارة الأمريكية، خصوصا البطل الرئيس فرانسيس أندروود، الذي وصل إلى كرسي الرئاسة من منصب نائب الرئيس عقب أن أطاح بالرئيس الذي وثق فيه وقربه ثم عينه نائبا، وما أشبه الواقع بالحقيقة مع الرئيس «أوباما أندروود».

قريبا من كذبة الديمقراطية الأمريكية التقيت زميلة باحثة في مركز أبحاث غادرت وزارة الخارجية الأمريكية، وكانت تتحدث عن لغة جديدة يتحدثها السياسيون الأمريكان مع اختلاط أوراق الانتخابات، وقالت صراحة توقعوا من هذه الإدارة أي تصرفات حمقاء حتى وإن تبقى عليها أشهر معدودة.

المشهد الذي يسوق له السيناتور شومر هو أن يحدث للمملكة مثل ما جرى للحكومة الإيرانية الملطخة يديها بدماء الأبرياء على امتداد خريطة العالم، إذ قضت المحكمة العليا الأمريكية بصرف حوالي ملياري دولار من الأصول الإيرانية المجمدة لعائلات ضحايا تفجير بيروت 1983 واعتداءات إرهابية أخرى. وصدر الحكم لصالح أكثر من 1300 من أقارب 241 شخصا قتلوا في ثكنة للجيش الأمريكي آنذاك. وهذا الإجراء في الأساس بني على قانون JASTA، الذي يسمح بمحاكمة الدول المسؤولة والممولة للإرهاب.

إن هذا الملف يحتاج عملا سعوديا مختلفا في جادة بنسلفانيا والشوارع المجاورة، خصوصا مع سخونة الانتخابات الأمريكية واللغة السلبية التي بدأت تخرج من بعض السياسيين الأمريكيين إزاء المملكة، مع ظهور بوادر تعاون إيراني من أجل النفط ولا شيء غيره عقب رفع العقوبات. الجهود التي نحتاجها هي من نوع السهل الممتنع، إذ إن واشنطن رغم سهولة التسلل بين تفاصيلها تبقى صعبة الموازنة فيها، لكنها ممكنة.

إن أكثر المثقلين بهذا الملف هو السفير السعودي في واشنطن الذي لم يكمل عامه الأول، الأمير عبدالله بن فيصل بن تركي الذي حضر لأول مرة مناسبة مسائية مع الشعب الأمريكي والمجتمع الدولي بزي غير رسمي (كاجول)، في حدث DC Passport، الذي ينظم كل عام في جميع السفارات ويأتي الزائرون للتعرف على كل بلاد عبر سفاراتها، وما تعرضه للزائرين من تعريف بالثقافة، والتاريخ والحاضر، وتهديهم منتجات تعرفهم بهذه الدول.

الحاضرون للحدث شعروا بأن السفير أقرب إليهم، وكان يتحدث مع جميع الزائرين بترحاب. إن لغة التفاؤل بعمل سعودي أكثر تطورا في واشنطن تأتي من مراقبة لنشاط السفير بحضوره عددا من الجلسات الحوارية وكتابة المقالات، واستقبال الفعاليات المختلفة، بل إن الأهم هو شعور موظفي السفارة، وهم رأس الحربة في نجاحه، بأن ثقافة جديدة تدب في عروق السفارة بأيدٍ وعقول سعودية فذة.

ويبقى التحدي الأكبر في السفارة أن تغير الصورة النمطية عنها للإعلام الأمريكي أولا بفتح جميع النوافذ ليدخل الهواء من جميع النوافذ ويخرج من الناحية الأخرى كما هو، فالغرف التي لا تتنفس تموت مثل جسد الإنسان. أما ثانيا فبوضع جدول سنوي وخطة تنفيذية عما تود السفارة فعله ولماذا.

إن ثقافة قلب الطاولة وكسر القواعد هي ما نحتاجه اليوم، فجلسات الحوار غير المسجل off record لم تعد نافعة للزمان والمكان، بل يجب أن نتحدث وبصوت عال مع الأصدقاء في مراكز الأبحاث وغير الأصدقاء. وأقترح أن نستفيد من وجود أعضاء مجلس الشورى في الولايات المتحدة هذه الأيام لعقد لقاءات موسعة ومفتوحة مع الإعلام الأمريكي.

السياسة الشعبية هي أيضا عامل مهم، فثلاثمئة ناد سعودي موزعة على الولايات المتحدة تعتبر ثقلا وقوة فاعلة تحتاج لإطار احترافي استراتيجي لاستخدامه، وأخيرا أكثر الكنوز السعودية أهمية في الولايات المتحدة هو ما يقارب 550 سعوديا وسعودية يدرسون في أقوى 20 جامعة أمريكية مثل هارفارد، يال، برنستون وبيركلي، وهم يشكلون قوة سعودية معطلة، فهذا وقت استخدامهم لخدمة وطنهم.

صحيح أن المسافة من جادة نيو هامبشر إلى جادة بنسلفانيا هي واحدة مع سائق تاكسي، أوبر أو بمرسيدس فاخر، إلا أن العارف الدقيق بتفاصيل العاصمة المتقلبة ليل نهار يستطيع اختصار الطرق ويصل إلى أصعب الأهداف بأقل جهد.