الرأي

عمدة لندن هل هو سني أو شيعي؟

سليمان الضحيان
«فخور بلندن التي تخيرت اليوم الأمل بديلا للخوف، وتخيرت الوحدة على الانقسام»، هذه كلمات قالها صادق خان بعد إعلان فوزه بمنصب عمدة لندن بعد أن واجه هجوما عنصريا شديدا من خصمه زاك غولد سميث مرشح حزب المحافظين، ويظهر في تعبيره بكلمة (الأمل بدل الخوف) إشارة إلى ظاهرة الإسلام فوبيا في الوسط الأوروبي بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس وبروكسل، وصعود اليمين المتطرف، وظاهرة صعود المرشح الأمريكي ترامب وخطابه العنصري ضد المسلمين، فالمخيال الشعبي في الغرب اليوم يعيش هاجس الغزو من الآخر المسلم بتأثير الدعاية العنصرية من اليمين المتطرف الذي استغل حوادث التفجيرات الإرهابية، وما تنشره داعش من مشاهد وحشية لإعدام الضحايا، يصاحب ذلك كله ماكينة إعلامية هائلة تتحدث عن التهديد الذي يواجه الحضارة الغربية وقيمها من غزو إسلامي يتمثل بجحافل المهاجرين المسلمين الذين يفدون على أوروبا.

في هذه الظروف المتوترة وفي جو محتقن من كل ما هو إسلامي جاء فوز صادق خان بمنصب عمدة لندن أكبر مدن القارة الأوروبية ليمثل الأمل - حسب تعبير خان نفسه - بتحسين صورة المسلم في المخيال الشعبي في العالم كله، ففوزه وهو المسلم ديانة وابن المهاجر الباكستاني سائق حافلة النقل في منصب العمدة في مدينة يقطنها ثمانية ملايين منهم مليون مسلم مفاده أن غالبية منتخبيه ليسوا من المسلمين، وأن قيم المواطنة المتعالية على الاختلافات الدينية والعرقية ما زالت راسخة في ثقافة الإنسان الغربي، ولم تستطع دعاية اليمين المتطرف زحزحتها، وعلينا الاعتراف بأن الحضارة الغربية نجحت عبر تحولات عميقة في بنيتها الفكرية في قرون عدة في إعلاء قيمة الإنسان دون النظر إلى دينه ولونه وعرقه، وهذا ما ترجمته دساتير دولها؛ إذ تضمنت قوانين تجرم العنصرية بسبب اللون أو العرق أو الدين، وعكسته - أيضا - مناهج التربية والتعليم وبرامج التثقيف، والإقرار – أيضا – بأن الحضرة الغربية المعاصرة تتميز بقدرتها الفائقة على التطور، وتصحيح الأخطاء، ففي أمريكا في غضون قرن واحد انتقلت من مرحلة استعباد الإنسان حيث ألغي الرق سنة 1865 إلى الإقرار بحقه في الانتخاب في سنة 1965 ثم في غضون نصف قرن آخر يفوز رئيس أسود برئاسة البلاد في عام 2008، ولولا تلك الثقافة الراسخة، وتلك القوانين التي تحمي تلك الثقافة لما فاز صادق خان وقبله أوباما.

قارن هذا كله بما يحدث في وطننا العربي حيث الثقافة الراسخة في التمييز بسبب العرق أو الطائفة أو الدين أو القبيلة، فمع التجانس العرقي في لبنان - مثلا - نجد أن الدستور فيه مبني على المحاصصة الطائفية، فالممارسة الديمقراطية في الانتخاب والترشح محكومان بالطائفة، وفي العراق بعد أن تحرر من حكم ديكتاتوري، وأقرت فيه الممارسة الديمقراطية أدى الخلاف الطائفي والعرقي إلى تدمير بنية البلد، فكل طائفة لها أحزاب مقفلة عليها دون الآخرين، وكل طائفة تريد أن يكون لها التصرف المطلق في العباد والبلاد، ولعل من السخرية البالغة أن فوز صادق خان بمنصب عمدة لندن الذي يمثل عند الغرب التعالي على الأعراق والأديان، هو نفسه ما اختلف العرب حوله كثيرا، فقد نشب خلاف واسع في مواقع التواصل الإعلامي عن طائفة العمدة الجديد، هل هو شيعي (رافضي)؟، فيكون نبيلا وبطلا عند طائفة من العرب، ومذموما عند الطائفة الأخرى، أو هو سني (ناصبي)؟ فيكون بطلا عند الطائفة الأخرى، ومذموما عند الطائفة الأولى. يبدو أننا لم ندخل العصر الحديث بعد، فما زالت القبيلة والطائفة هما حجر الزاوية في أوطاننا.

aldahian.s@makkahnp.com