أعمال

تقريب العملاقين أرامكو وسابك

أوراق 2030

في المملكة عملاقان صناعيان، الأول أرامكو السعودية والثاني شركة الصناعات الأساسية «سابك» وكلاهما مملوك للدولة بنسبة كبيرة. ولسنوات طويلة ظلت أرامكو تعمل في فلك مختلف ومنفصل عن سابك ولا يوجد ما يجمع بين الشركتين سوى أن أرامكو تبيع اللقيم لسابك وتحوله الأخيرة إلى منتجات بتروكيماوية. وفي 2014 دخلت الشركتان في مشروع مشترك لا يشكل أي ارتباط وثيق أو تداخل في العمليات التشغيلية متمثل في الشركة العربية السعودية للاستثمارات الصناعية، والتي أقرها مجلس الوزراء السعودي في مارس من ذلك العام برأسمال ملياري ريال. لكن هذا التباعد لن يستمر كثيرا، فرؤية المملكة 2030 ستدفع إلى التقريب بين العملاقين ودفعهما للعمل المشترك في كل الاتجاهات والسبب يرجع إلى التكامل بين القطاعات كما في الرؤية، إضافة إلى عامل آخر ومهم وهو أن المالك الجديد للشركتين سيكون صندوق الاستثمارات العامة. وطبقا لمخطط الرؤية فإن اسهم أرامكو السعودية ستنتقل إلى صندوق الاستثمارات العامة والذي يمتلك نحو 70% من رأسمال سابك، وبذلك سيكون المالك الرئيس للشركتين جهة واحدة. إزالة الخلاف وقبل مشروع رؤية المملكة 2030 وقبل تولي ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان الأمور الاقتصادية للبلاد، لم يكن ممكنا للشركتين أن تعملا بشكل متقارب خاصة أن رؤساء الشركتين سابقا خالد الفالح ومحمد الماضي لم يكونا متحمسين للعمل المشترك، حسبما أوضحه أكثر من مصدر حكومي تحدث إلى «مكة». ومنذ انتقال الفالح إلى وزارة الصحة وانتقال الماضي إلى مؤسسة الصناعات العسكرية، بدأ التقارب بين سابك وأرامكو برعاية من المسؤولين الحكوميين في القطاع النفطي، مع وجود رؤساء جدد هما أمين الناصر ويوسف البنيان. وفي الشهر الماضي أوضح الأمير محمد بن سلمان لوكالة بلومبيرج أن سابك وأرامكو شركتان منفصلتان لهما أهداف منفصلة، إلا أنهما لم يتعاونا في السابق كما ينبغي بسبب وجود خلاف بين الشركتين، وقد تم حل هذا الخلاف منذ أشهر قليلة. ثمرة التقارب ونتج عن التقارب بين العملاقين اتفاق مبدئي للدخول في مشروع مشترك لبناء مصفاة لتحويل النفط الخام في مدينة ينبع الصناعية إلى كيماويات مباشرة بدون الحاجة إلى تكرير النفط إلى منتجات أولية مثل البروبان والبيوتان والنافثا. وأخيرا أوضح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين الناصر أن الشركتين ستوقعان مذكرة تفاهم قريبا لمشروع مصفاة الكيماويات أو ما يعرف باسم (OTC). وكانت سابك قالت من قبل إن المشروع المقترح قد يكلف ما يصل إلى 30 مليار دولار. وبسبب هذا المشروع أجلت أرامكو خططها لبناء مصفاة جديدة في ينبع بطاقة 400 ألف برميل يوميا ملحقا بها مجمع للبتروكيماويات، حسبما أوضحته مصادر لـ»مكة». ولم يتوقف التقارب عند هذين المشروعين بل دخلت الشركتان الآن في محادثات للاستثمار المشترك في مشروع للنفط الصخري حسبما أوضحه رئيس سابك البنيان في مقابلة مع وكالة بلومبيرج. الحلم الأكبر ورغم التقارب المتسارع إلا أن الحلم الأكبر بين الشركتين هو أن يتم دمج مشاريع الكيماويات بينهما وهو الأمر الذي ينتظر الكثير من المستثمرين حدوثه خصوصا في ظل الملكية المشتركة لهما من قبل صندوق الاستثمارات العامة. وعلمت «مكة» من مصادر مطلعة أن الهيئة الملكية للجبيل وينبع تقدمت بمقترح إلى مجلس الوزراء لدمج أعمال الكيماويات بين أرامكو وسابك، إذ إن سابك لديها خبرة أطول وأعرض من أرامكو في المجال بينما أرامكو ستدخله لأول مرة من خلال مشروع صدارة للكيماويات. ولأرامكو تجربة بسيطة في البتروكيماويات من خلال مصافيها المشتركة مثل مصفاة بترورابغ وقريبا جدا المصافي الأخرى مثل ساتورب وياسرف. وتقول المصادر إن أرامكو بسبب عدم وجود أي خبرة لديها في مجال تسويق البتروكيماويات والكيماويات اضطرت إلى استقدام العديد من الأجانب للعمل في وحدة الكيماويات التي يرأسها حاليا الأمريكي وارن وايلدر بمرتبة نائب الرئيس للكيماويات. ويمثل وايلدر أرامكو في مجلس إدارة شركة صدارة. تخلي أو إندماج وبالعودة إلى المقترح المقدم من قبل الهيئة الملكية للجبيل وينبع، تقول المصادر إن المقترح تم تحويله إلى هيئة الخبراء في مجلس الوزراء لدراسته وتم تشكيل لجنة مكونة من ممثلين من جهات حكومية عدة لدراسة المقترح. وأوضحت المصادر أن شركة أرامكو السعودية تم تمثيلها في اللجنة من قبل مسؤولين في وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية (وزارة البترول سابقا) والذين أبدوا اعتراضهم الشديد على أي محاولة لإبعاد الكيماويات عن أرامكو السعودية. ويرتكز المقترح على أن تتخلى أرامكو عن الكيماويات لمصلحة سابك أو تندمج معها، حيث إن لسابك خبرة طويلة ودولية في مجال تسويق وإنتاج البتروكيماويات والكيماويات. كما أن هذا الأمر سيعظم الفائدة لكلتا الشركتين من خلال تركيز كل شركة منهما على أعمالها الأساسية بدلا من التوسع في مجالات جديدة عليها وبعيدة عن أنشطتها الرئيسة. تعظيم الربحية وتريد أرامكو السعودية أن تتوسع في مجال الكيماويات بشكل كبير، حيث بنت مجمع صدارة وتدرس حاليا مجمعين جديدين أحدهما مع شركة شل والآخر مع شركة توتال وكلاهما في الجبيل. كما تريد أرامكو أن تلحق وحدات للبتروكيماويات في كل مصافيها القائمة والمستقبلية من أجل تعظيم هامش الربحية لهذه المصافي، حيث إن بعضها وخاصة الصغير منها مثل مصفاة الرياض لا تتمتع بالهامش الربحي الكبير الذي تتمتع به مصاف أخرى مثل مصفاة رأس تنورة أو المصافي المشتركة للشركة والتي تعد الأفضل من ناحية الهامش الربحي كما أوضحت مصادر في القطاع وفي أرامكو لـ«مكة». ولا أحد يعرف حقيقة الهوامش الربحية لمصافي أرامكو السعودية، إذ إن الشركة لا تعلن بشفافية عن ربحية وحداتها، ونظرا لضعف الشفافية والإفصاح لدى أرامكو قرر ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان طرح جزء من أسهم أرامكو للاكتتاب حتى تكون أنشطة الشركة تحت رقابة الجميع كما ذكر في تصريحاته خلال الإعلان الرسمي لرؤية المملكة 2030. ويعلق المحلل الاقتصادي وأستاذ المالية السابق في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور محمد الرمادي على المقترح قائلا «أي توجه لدمج أعمال الكيماويات بين سابك وأرامكو هو توجه ممتاز جدا فمن ناحية ستنخفض التكاليف على أرامكو ومن ناحية أخرى سيتم الاستفادة من الخبرات العريضة لسابك في المجال بدلا من أن تقوم أرامكو بتعلم كل شيء من الصفر». شركة مشتركة ولا تزال أرامكو وسابك مرتبطتين من خلال الشركة العربية السعودية للاستثمارات الصناعية، والتي أقرها مجلس الوزراء السعودي في 2014 برأسمال يبلغ ملياري ريال، يساهم فيه صندوق الاستثمارات الصناعية بنصف المبلغ أي مليار ريال فيما تساهم أرامكو وسابك بخمسمئة مليون ريال لكل منهما. وكان وزير المالية السعودي إبراهيم العساف كشف بعد أيام من إشهار الشركة أن نشاط الشركة سيركز على استغلال منتجاتها الأساسية ومنتجات المؤسسات والشركات الاستراتيجية في المملكة لاستثمارها في الصناعات التحويلية والصناعات المساندة على أسس تجارية، والاستثمار في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية لتطوير صناعات تحويلية متعددة في جميع القطاعات الصناعية، سواء المعتمدة على البتروكيماويات، أو البلاستيك أو الأسمدة أو الحديد والصلب أو الألمنيوم أو الصناعات الأساسية الأخرى المحققة للتنوع الاقتصادي. وكان أمين عام صندوق الاستثمارات العامة السابق عبدالرحمن المفضي، أوضح في مؤتمر صحفي في مارس 2014 أن البرنامج الاستثماري المقترح للشركة لإقامة عدد من الصناعات التحويلية المهمة من دون منافسة للقطاع الخاص والتي تشمل قطاعات استراتيجية للاقتصاد الوطني، وهي القطاع الملاحي، وقطاع معدات الطاقة والمياه والكهرباء، وقطاع معدات صناعة النفط والغاز، وقطاع السيارات، والتي سينبثق عنها 20 مشروعا في السنوات الخمس الأولى من التأسيس تقدر تكلفتها الاستثمارية بنحو 7.4 مليارات ريال، إضافة إلى ما ستوفره الدولة من بنى تحتية للمشاريع الملاحية كالأرصفة وغيرها، والتي تقدر تكلفتها بـ5.6 مليارات ريال.