الرأي

خصوصية هجرة السعودي

شاهر النهاري
منذ الأزل عرفت معظم أنواع المخلوقات البرية والمائية والجوية الهجرة كطبع لها يتجدد في كل حول، متناغمة مع التغيرات المناخية، والتي تعجز عن مواجهتها، فتختار الهروب إلى المكان الأفضل.

وهي تحدد مسار هجرتها بدراية بالتضاريس، وبتناسق عجيب مع الأبراج وجاذبية الكوكب الأرضي بين القطبين.

وطوال أعمارها تعاود تلك المخلوقات الرحيل والعودة في كل عام، فلا تستقر كليا في منطقة، وتستمر بلهفتها تحن للمرتع الخصب، والموطن الآمن، وبنفس حنينها للهجرة السنوية، قبل الهجرة الأبدية لعالم الموت.

وما يحصل عند البشر ليس بعيدا عن ذلك، ولو أنه يختلف في مسبباته، واتجاهاته، ونوعية الظروف المثبطة والمحفزة، فقد يتغلب البشر على الأحوال الجوية، ولا يستسلمون للهجرة إلا عندما تتفاقم قسوة الظروف المعيشية والنفسية والمجتمعية والأمنية، وقد لا يجد الشخص حلا لتلافي ضيق العيش المادي، أو التمييز العنصري من أي نوع، أو مكابدة ضيق مجالات الحرية والفكر، أو العزلة باختلاف العادات والتقاليد، أو الشعور بالتهديد ونقص الأمن، أو عدم التمكين من المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات الوطنية، وبالتالي بناء الوطن.

كلها أسباب تجعل الشخص ينظر لمكان معيشته حتى ولو كان منبع أجداده بأنه ضنك وقهر وطحن ونقص مكانة وقيمة وأمن، مما يدفعه للتطلع إلى الأفضل.

والتجربة خير مشجع وبرهان، والتي أصبحت سهلة الحدوث في عصر التقنية والسرعة والتواصل، مما مكن الشخص من البحث، والتجريب، والمقارنة بين مجتمعه القديم، وبين المجتمع الجديد المنتخب.

والفرد السعودي حالة خصوصية، فهو يعيش في ظروف معيشية، لا نقول إنها الأفضل، ولكنها تكاد تكون معقولة، بالنسبة لدول عربية وأجنبية كثيرة.

ويمكن أن يقال مثل ذلك عن نسبة الأمن، ولو أن كامل الرضى لا يتم في النواحي الفكرية والمعتقد، والثقافة؛ ولا ننسى أن القدرة المالية مشجعة للسعودي في الآونة الأخيرة للقيام بهجرة متوسطة تعرف بوضع قدم للخلف، وقدم للأمام.

بمعنى أن بعض السعوديين يرسخون وجودهم في بلدهم، ويحاولون في الوقت نفسه وبكل الطرق الحصول على جنسية بلد بديل كخطة ثانية.

البعض وجدوا بأموالهم وممتلكاتهم جنسيات متعددة لا تتعارض مع جنسياتهم، وسارعوا لاقتنائها.

والبعض يفكر في غرس بعض ذريته في سجلات إحدى الدول العظمى، حج وحاجة، فيرحل وزوجته في أيام المخاض ليحصل على إمكانية الحصول على الجنسية الحلم، في حال تبدلت الظروف في بلده.

والبعض وجد أن أعماله تنمو وتنتعش في أرض المهجر وتعطيه جنسية، فلا يتردد في قبولها.

هجرة السعودي، ليست واضحة كل الوضوح، وليست خافية النوايا.

ومن الضروري طرح المشكلة بشكل رسمي وعلني، وأن تعمل البحوث والدراسات الأكاديمية الجادة، لتأكيد وتحديد حجم هذه الهجرة، وجديتها، وأسبابها من ألسن وأصل بيانات من يقومون بها.

وبعد ذلك لا بد من تعاون الجهات الحكومية، والجهات العلمية والبحثية، والمجتمعية من أجل تذليل الصعوبات المستجدة، وتمكين الفرد وخصوصا الشاب من التحرك بحرية بين مجتمعه، ومع معتقده، وبشعور بالعدالة الاجتماعية، والمناطقية، وفي فرص العمل، وصنع القرار، والقدرة على مزاولة حياته دون كبت نفسي أو مضايقة أو تهديد، حتى لا يعود يشعر بالقلق، ويعاني من جاذبية القطب المؤدية للهجرة.

shaher.a@makkahnp.com