الرأي

جيل الفهاوة

فهد الحازمي
ثماني ساعات هي متوسط استخدام السعودي للانترنت يوميا، حوالي ثلاث منها في الشبكات الاجتماعية. لا شك أن الغالبية العظمى ترى أن هذا أمر إيجابي. لكن هناك ثمن كبير بالمقابل حيث يفتقد هذا الجيل للتركيز. التشتت يعتبر سمة العصر الحديث حيث تطاردنا «التنبيهات» عبر الهواتف الذكية في كل مكان وزمان. متى آخر مرة قرأت فيها كتابا قراءة متواصلة دون انقطاع؟ حسنا دعك من الكتب، هل سبق وقرأت مقالي هذا دون انقطاع؟ تبدو مهمة تاريخية أن تحظى بساعة أو سويعات هادئة وخاليا كليا من التشتت. أصبح الجوال جزءا لا يتجزأ من أيدينا ما إن يبتعد عنا حتى نشعر بدغدغة تشبه تلك التي يشعر بها مبتورو الأطراف.

نعوم تشومسكي -عالم لغويات وناشط سياسي أمريكي ذائع الصيت- تحدث بشكل عابر في إحدى مقاطعه المترجمة في يوتيوب عن أثر تويتر على الأجيال الحديثة ونقل عن زملائه شكاواهم بأنهم لم يعودوا يستطيعون استخدام المراجع التي كانوا يستخدمونها قبل ثلاثين عاما! السبب عائد إلى قدرتنا المتقلصة على التركيز المستمر حيث يتشتت الانتباه بسهولة كبيرة وذلك بفضل انتشار استخدام الجوالات والأجهزة الذكية.

قدرتنا على هضم واستيعاب المواد الثقيلة تقل باستمرار ويبدو أننا نضطر إلى بذل مجهود مضاعف لنحافظ على نفس المستوى من الاستيعاب. السبب وراء تأثير التشتت على الاستيعاب هو أنك حينما تقرأ من الانترنت فأنت في الحقيقة لا تقرأ فحسب بل تواجه الكثير من الأسئلة والقرارات التي تتخذها دون أن تشعر. هل تضغط على هذا الرابط؟ هل يجب أن تفتح آخر تنبيه؟ هل رد «فلان» على تعليقك في الفيس بوك؟ وهكذا بمجرد ما إن تسترسل مع أي من هذه الأسئلة حتى تدخل في سلسلة لا تنتهي من المحفزات التي تلهيك بعيدا عن المادة التي قرأتها. في الوقت الذي تعود فيه إليها تكتشف أنك نسيت تقريبا.

في العام الماضي نشرت دراسة من جامعة تورنتو تدرس العلاقة بين مهارات التفكير واستخدام الهواتف الذكية. وجدوا أن امتلاك هاتف ذكي وحده ليس مرتبطا بأي فروق في التفكير والإدراك. لكن الآثار السلبية على مهارات التفكير التحليلية تتركز في الذين يستخدمون هواتفهم بشكل مكثف، وبالتالي يتعرضون لمشتتات أكبر. النتيجة الأخرى والمهمة للدراسة كانت في أن الذين يستخدمون الانترنت للمسائل اليومية -ليستغنوا عن التفكير التحليلي في الموضوع- أظهروا قدرات إدراكية أقل، حتى في مجالات أخرى لا تتعلق بالتفكير.

التركيز قوة استثنائية. والأقلية القليلة من الناس الذين يستطيعون كبح الملهيات والمغريات الالكترونية لكي يؤدوا أعمالهم من قراءة أو كتابة أو أي كان على أحسن وجه. حينما تبدأ بالتفكير في مشكلة أو تبدأ بقراءة كتاب تتعود ذاكرتك الحاضرة على نوعية المعلومات التي تتلقاها باستيعاب أكبر. في اللحظة التي يتشتت فيها انتباهك لأي سبب -سواء للبحث في الانترنت أو لمتابعة إشعار- ينقطع حبل أفكارك وهنا عليك أن تبدأ باستعادة تلك الحالة المزاجية التركيزية من جديد.

هناك ثلاثة اقتراحات للتقليل من عواقب التشتيت. الأول: التقليل من استخدام الهواتف الذكية. لا تستخدم هاتفك أثناء القيادة أو المشي أو الجلسات العائلية. ليكن استخدام الهواتف الذكية للتواصل والترفيه محصورا بوقت معين في اليوم. الثاني: أغلق جوالك تماما لكي تركز على أداء مهمة. مثلا حينما تود قراءة كتاب ما أو كتابة تقرير يتطلب قدرا من التركيز، لا تثق بقدرتك على عدم استراق النظر إلى جوالك. أغلق جوالك تماما وعد إليه من حين لآخر. ثالثا: انسحب من شبكات التواصل بين الفينة والأخرى. وللحديث بقية.