الرأي

منظومة بيئة ومياه وجيولوجيا وثروات وطن

شاهر النهاري
لعل من أهم المواضيع القومية الأساسية الوطنية والبشرية لأي وطن هو خلق منظومة توازن طبيعي مدروس متكامل حول جيولوجيا وبيئة وثروات ومياه وطن، وبحيث تستمر جميع ثرواته النباتية والحيوانية والطبيعية مهيأة سليمة منتجة ودون استنزاف؛ وأن تكون عمليات الرعاية والصرف والتخزين والاستعادة متناسقة مع النظريات العلمية والمناخية الحديثة، بنظرة مستقبلية لتلك الثروات، متناغمة صالحة ممتدة لمستقبل ثرى وأجواء، ولصلاح واستصلاح خيرات البيئة الطبيعية، ودون إهمال أو تقصير، أو تبذير جائر.

ولا شك أن الآبار الطبيعية تعني الكثير لتربة وطقس وثمار وحيوانات بلد صحراوي مثل وطننا، وأن تحلية مياه البحار حياة، وأن استصلاحها للشرب بقاء لجزء كبير من هذه الطبيعة، وأن تصريف الأمطار والسيول وتخزينها بطرق علمية يعنيان الكثير في شأن إعادة ما يستنزف من مخزون المياه؛ وأن معالجة مياه الصرف الصحي (المجاري)، وإعادة استخدامها في دورات حياة بيئية متكاملة أمور أساسية لا يمكن الفصل أو المفاضلة بين أجزائها ولا بين من يقومون برعايتها، حتى لا يطغى، ولا يفضل بعضها على بعض بالمطلق.

وقد عانت المؤسسات المسؤولة عن هذه الجوانب في وطننا طويلا بكثرة عمليات الدمج والفصل، مما زاد من صعوبة توحيد الرؤية، والوسيلة، والهدف، والثمن، وكانت تلك طامة كبرى تحل ببيئة الوطن ومعطياته، ومصروفاته، التي لم تكن جهودها موحدة.

ففي الماضي تمت عدة تحولات جذرية في قيادة وتنظيم أعمال تلك القطاعات، بداية من صدور مرسوم ملكي في فترة تولي المرحوم غازي القصيبي للوزارة بدمج كل من وزارة الزراعة والمياه مع الصرف الصحي، بأمل تعامل المزارع والجيولوجي مع المياه كمصدر للحياة وثروة للوطن، وليس كسلعة للتربح من ورائها.

وبعد ذلك عانت تلك القطاعات مجددا بتجارب فصل بعضها عن بعض، مما جعل عمل بعض الجهات يتفرد أو يتعارض في بعض المحاور مع خطط وأعمال وزارة الزراعة، مثلما حدث بتعارض أعمال وزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانات المدن فيما يخص التصريف الصحي.

ويشاء المولى أن تعود الأمور إلى بعض ما كان يجب أن تكون عليه، فمن خلال الأوامر الملكية الأخيرة، والصادرة السبت الموافق 30 رجب 1437هـ أعيد دمج وزارة الزراعة والمياه والبيئة تحت مظلة واحدة، بعد عمر من الحيرة والشتات والتبذير والتباعد!

ولعلنا هنا أن نشكر القيادة الحكيمة، التي وضعت الأمور في نصابها، كما كنا نأمل أن يكتمل عقد منظومة البيئة والزراعة في زمننا الحالي بسلخ مشاريع تصريف الأمطار والسيول من وزارة الشؤون البلدية والقروية، وأمانات المدن، وخصوصا بعد تعثر كثير من مشاريعها، لتنضم لوزارة الزراعة، على اعتبار أنها جزء لا يتجزأ من منظومة الصرف الصحي.

كما نتمنى أن يوفق معالي الوزير عبدالرحمن الفضلي في احتواء القضية البيئية الوطنية الأهم برعاية وتوازن ومقدرة، وبعقلية لا تبحث عن النتاج الوقتي الجاهز، بقدر ما تعيد لثرى وأجواء وطننا عمقها وقيمتها، ومعانيها، واستراتيجيتها كمصادر لحياة مستقبل أحفادنا، دون تفريط، ولا تقليل من قيمتها المتعالية مع الزمن، في عالم مادي لا يرحم قلب ولا بطن ولا عين الوطن.

shaher.a@makkahnp.com