الرأي

أبحاث يعلوها الغبار

سهام الطويري
غرد الدكتور خالد الصغير عبر حسابه في تويتر بالمعلومة المكرورة في الوسط العلمي «تزخر جامعاتنا بالمراكز البحثية التي يعلو أبحاثها الغبار دون الاستفادة من مخرجاتها التي صرفت عليها الملايين». والسؤال الذي يطرح نفسه: أين الخلل في الاستفادة من المخرجات؟ هل مخرجات البحث العلمي هي الأخرى بحاجة إلى ميزانيات مثيلة لمدخلاته حتى يمكن الاستفادة فعليا منها؟ هل البيئة التي أجريت عليها الأبحاث لا تقبل «التطبيق»؟ هل تتوقف جميع خلاصات ونتائج البحوث التي يتم تمويلها عند التوصيات فقط؟ بمعنى آخر: هل الأبحاث غير مجدية «فاشلة»؟

في كل عام تصدر قوائم بأشهر الأبحاث العلمية الفاشلة حول العالم. ويتصدر أصحابها جائزة نوبل كفائزين عن فئة العلوم السخيفة!

حينما كشفت الحكومة في بريطانيا عام 2009 ، على سبيل المثال، عن خطط لتخصيص تمويل البحوث استنادا إلى مدى «التأثير» للبحوث، أثارت تلك الخطط سخط طيف واسع من الأكاديميين الذين لم يتوانوا في فتح النيران عليها، والتعليل المجمع عليه أن طبيعة الفضول في البحوث و«المضاربات» في سوقها أدى إلى بعض الاكتشافات الأكثر أهمية في التاريخ العلمي، بما في ذلك اكتشاف البنسلين، ونظرية التطور والنظرية النسبية، على الرغم من ذلك فإن التوجه الحكومي ذلك من شأنه أن يضع حدا لما يوصف بـ«الالتواءات» البحثية السخيفة في بعض الأحيان أو المستوحاة بشكل غريب، أو تلك التي تجمع الترفيه والإيذاء من قبل المهووسين بالعلم في كل مكان!

أحد أسخف بحوث علم النفس التي حازت على جائزة نوبل لفئة البحوث السخيفة كان دراسة بعنوان ميل برج إيفل لليسار يجعله يبدو أصغر، أما في مجال علم الأعصاب فكانت الجائزة لدراسة عن إثبات نشاط الدماغ حتى عند سمك السلمون الميت.

يمكن لمراكز البحوث والجامعات استنادا إلى ما سبق أن تقوم بعمل فرز سنوي للبحوث ذات الجودة العالية والبحوث «المسلية» أو المضيعة للوقت، وأن يكون هناك تركيز على المجموعات البحثية التي تختار هذا النوع من البحوث من خلال معرفة جوانب القصور الفعلية التي يمكن علاجها ودعمها وتصحيح مسارها في العملية البحثية.

التنافس الشرس والانفرادية الحاصلة بين المجموعات البحثية المحلية بسبب هدر التمويل، أعتقد أنه أحد أبرز أسباب «التشتت البحثي»، فالمجموعات أو الباحثون الضعفاء نوعا ما لا يحظون بفرص الاندماج مع الأقوياء برغم أن البحوث في أصلها لا تنمو ولا تتطور إلا من خلال إسهام وتعاون وشراكة الجميع، ناهيك عن وجود ما يعرف في الأوساط البحثية المحلية بـ«كُتاب الظل» من الباحثين الأجانب في بعض المجموعات البحثية المحلية التي تبدو في ظاهرها نشطة وقوية، حيث يستأثر المشرف أو الباحث الرئيسي بحصاد نشاط مجموعة الأجانب، مستغلا نفوذه، مما لا يدع له مجالا في فتح الباب أمام شراكة الباحثين الضعفاء أو المجموعات البحثية الخاملة حتى لا يعرف «سر المهنة»، بدلا عن إحلال فكرة التطوير والدعم ورفع الكفاءة.

جامعاتنا وفقا للأوضاع الراهنة في العالم العربي هي الأفضل في التصنيف الدولي، وتزايد أعداد المقبلين على التخصصات العلمية يعطي مؤشرا جيدا وواعدا لنمو قطاع البحث العلمي، ولكن يبقى الأهم المهم في هذه العملية وهو البحث عن الثغور التي يتسلل منها الغبار على أبحاثنا الخاملة!

Seham.t@makkahnp.com