البشت مفتاح الفرج
الجمعة / 29 / رجب / 1437 هـ - 19:30 - الجمعة 6 مايو 2016 19:30
سألته ويدي على كبدي مخافة أن تنفقع مرارتي: من أين لك هذا؟. فأنا أعلم أنه كان في شبابه رجلا عاديا إن لم يكن أقل من العادي، وأن تعليمه متوسط، وأهله لم يكونوا من أهل الثراء، ولم يمتلكوا مزارع أو عقارا مشمولا ضمن تعويضات الدولة، وأنه لم يعمل بالتجارة، وأنه لم يتم تعيينه في منصب سمين يحتاج إلى تحسين وضع، ويمكن من خلاله الوصول إلى ما وصل إليه من ثراء فاحش.
وأعتقد أن سؤالي هذا في بلدي يعن على بال كل من يجد أنه أفنى عمره في التحصيل والمثابرة والتعلم والبحث عن ثقافة حقيقية ومركز علمي؛ بينما لا يصل إلى ربع ما وصل إليه مثل هذا الشاطر الفهلوي، ممن (يأكلونها وهي والعة)، إشارة إلى اختطافهم للقمة الساخنة من وسط القدر، وقبل أن تخف حرارتها، وتصبح ميسورة التناول من قبل الغير.
ونعود للسؤال والمسؤول لنعرف كنه جوابه، والذي فضل قبل أن يجيب عليه، أن ينظر إلي من أعلى إلى أسفل، أو العكس، وكأنه يقول لي: يا خسارة التعليم فيك.
وابتسم بسمة عريضة، ومسح بكفه على ذقته، وقال كمن يشخص ويلخص الحالة: البشت مفتاح الفرج!.
ثم يصمت ليستشف رد فعلي، فما كان مني إلا أن ضحكت بشدة وأنا أحاول إصلاح المثل، الذي ظننت أنه أخطأ في سياقه؛ ولكنه أعاده عليَّ مرة أخرى بصوت يملؤه الإصرار؛ فشعرت بخجل من عدم الاستيعاب، فيما انطلق هو يشرح ويستزيد من فناجيل القهوة: البشت نعمة فضيلة لمن يعرف أين ومتى وكيف يستخدمها، وأنا قد أستغني عن الأكل والشراب، ولكني لا أستغني عن تبديل بشتي بين الحين والآخر، واختيار أغلى الأنواع منها، حتى ولو استلفت أثمانها، وأنا أحرص على نوع الزري فيها، ولمعته، ويهمني جدا أن يكون منظره مبهرا للأعين بطوله وعرضه، وكسمه ورسمه.
نفض هبابة علقت بطرف بشته، ثم انطلق مكملا: نحن شعب بدوي نؤمن بالمظهر أكثر مما يهمنا الجوهر، والبشت هو شهادة تأكيد الأصل والفصل، وشاهد الثراء، ودليل كبر القيمة، وعلامة الثقافة، ولزوم الرفعة.
ثم أدهشني بزيادة التوضيح: للبشت تفتح الأبواب العالية الموصدة، وللبشت ينتبه مدراء المكاتب ويتبسمون وتتأنق كلماتهم، وبالبشت تدخل على أكبر المسؤولين دون تأخير، وبالبشت يسهل شرح مرادك، وبالبشت تحصل على ما تريد وأكثر، ومن دون حتى أن تطلب.
ويلثم طرف بشته على كتفه بفخر: هذه شهادة عز لا يحصل عليها إلا من يعرف كيف يستفيد منها، فبها تحصل الهبات، ولها تلين القوانين، ومن خلفها تحصل الهيبة والمكانة.
وفجأة، يكتفي بما قال، خصوصا وأني كنت أغوص في صمت رهيب؛ ويهم بالمغادرة، وينظر لثوبي نظرة حزينة، ويتحسف على حالي: إللي ما يعرف للصقر يشويه!.
ويتركني، وأنا أنظر لكتفي الأبيض بغضب، وأقارنه بكتفه المزركش المتعالي، وأتمنى في داخلي لو يتم منع لبس البشوت سواء للمسؤولين، أو للمراجعين في الدوائر الحكومية، فنكون جميعا أبناء آدم، الذي خلق من تراب.
وبالطبع لن يرضي كلامي هذا الكثير من أصحاب شهادات البشوت، الساطين على الحقوق بنزاهة بشوتهم.
وأعتقد أن سؤالي هذا في بلدي يعن على بال كل من يجد أنه أفنى عمره في التحصيل والمثابرة والتعلم والبحث عن ثقافة حقيقية ومركز علمي؛ بينما لا يصل إلى ربع ما وصل إليه مثل هذا الشاطر الفهلوي، ممن (يأكلونها وهي والعة)، إشارة إلى اختطافهم للقمة الساخنة من وسط القدر، وقبل أن تخف حرارتها، وتصبح ميسورة التناول من قبل الغير.
ونعود للسؤال والمسؤول لنعرف كنه جوابه، والذي فضل قبل أن يجيب عليه، أن ينظر إلي من أعلى إلى أسفل، أو العكس، وكأنه يقول لي: يا خسارة التعليم فيك.
وابتسم بسمة عريضة، ومسح بكفه على ذقته، وقال كمن يشخص ويلخص الحالة: البشت مفتاح الفرج!.
ثم يصمت ليستشف رد فعلي، فما كان مني إلا أن ضحكت بشدة وأنا أحاول إصلاح المثل، الذي ظننت أنه أخطأ في سياقه؛ ولكنه أعاده عليَّ مرة أخرى بصوت يملؤه الإصرار؛ فشعرت بخجل من عدم الاستيعاب، فيما انطلق هو يشرح ويستزيد من فناجيل القهوة: البشت نعمة فضيلة لمن يعرف أين ومتى وكيف يستخدمها، وأنا قد أستغني عن الأكل والشراب، ولكني لا أستغني عن تبديل بشتي بين الحين والآخر، واختيار أغلى الأنواع منها، حتى ولو استلفت أثمانها، وأنا أحرص على نوع الزري فيها، ولمعته، ويهمني جدا أن يكون منظره مبهرا للأعين بطوله وعرضه، وكسمه ورسمه.
نفض هبابة علقت بطرف بشته، ثم انطلق مكملا: نحن شعب بدوي نؤمن بالمظهر أكثر مما يهمنا الجوهر، والبشت هو شهادة تأكيد الأصل والفصل، وشاهد الثراء، ودليل كبر القيمة، وعلامة الثقافة، ولزوم الرفعة.
ثم أدهشني بزيادة التوضيح: للبشت تفتح الأبواب العالية الموصدة، وللبشت ينتبه مدراء المكاتب ويتبسمون وتتأنق كلماتهم، وبالبشت تدخل على أكبر المسؤولين دون تأخير، وبالبشت يسهل شرح مرادك، وبالبشت تحصل على ما تريد وأكثر، ومن دون حتى أن تطلب.
ويلثم طرف بشته على كتفه بفخر: هذه شهادة عز لا يحصل عليها إلا من يعرف كيف يستفيد منها، فبها تحصل الهبات، ولها تلين القوانين، ومن خلفها تحصل الهيبة والمكانة.
وفجأة، يكتفي بما قال، خصوصا وأني كنت أغوص في صمت رهيب؛ ويهم بالمغادرة، وينظر لثوبي نظرة حزينة، ويتحسف على حالي: إللي ما يعرف للصقر يشويه!.
ويتركني، وأنا أنظر لكتفي الأبيض بغضب، وأقارنه بكتفه المزركش المتعالي، وأتمنى في داخلي لو يتم منع لبس البشوت سواء للمسؤولين، أو للمراجعين في الدوائر الحكومية، فنكون جميعا أبناء آدم، الذي خلق من تراب.
وبالطبع لن يرضي كلامي هذا الكثير من أصحاب شهادات البشوت، الساطين على الحقوق بنزاهة بشوتهم.