الرأي

تجاوز الحائط الرابع يا سحيمي..!

سلطان البازعي
الصديق الكاتب محمد السحيمي ساخر من الطراز الأول، وأنا أحبه لشخصيته الساحرة حضورا ولكتابته الساخرة على الورق، ولأنني أحب الكتابة الساخرة وأعتبرها فنا رفيعا من فنون الكتابة الصحفية لا يجيده إلا الراسخون والمبدعون في فن الكتابة، وهم -مع رسامي الكاريكاتير- من تحجز لهم المساحات الأبرز في الصحف، لأن القراء يجدون فيما يخطون استراحة من الهموم التي تقذفها عليهم الصفحات الأولى وما تلاها من الصحف، ولأنهم -أي الكتاب- يجيدون مكافحة هذه الهموم بالسخرية منها.

لكن السحيمي العزيز يصيبه أحيانا ما يصيب الساخرين على مر التاريخ، وهو ما يمكن أن ندعوه «متلازمة الحطيئة» عمهم الكبير الذي لم يجد أحدا يهجوه فهجا نفسه حين قال «أرى لي وجها قبح الله خلقه... إلخ»، وأعيذ صديقي السحيمي الباسم الوسيم من دمامة الحطيئة وقبحه قولا وفعلا.

والعزيز السحيمي يصبح قمعيا، حينما يتحدث عن «القمعية» كما يحب أن يسمي جمعية الثقافة والفنون، فهو تارة يطالبها بأن تغدق الإنفاق على كل المسرحيين والكتاب وألا تتقشف، وتارة أخرى يقول إن دلو الجمعية فارغ. فإن كان يقصد أن الدلو فارغ من المال فقد ظلم الجمعية والعاملين بها، وإن كان قصد أن دلوها فارغ من المحتوى فقد ظلم مئات بل آلاف المبدعين الذين ملؤوا فروع الجمعية نشاطا رغم التقشف. والغريب أن مقال الصديق السحيمي نشر في هذه الصحيفة (3 مايو) بعد يومين فقط من لقاء جمعني به في ضيافة الدكتور ناصر البراق طلب مني فيه التحدث عن خطط الجمعية في ضوء «رؤية السعودية 2030»، وقلت فيه بأن الجمعية رأت في هذه الرؤية مساحة واسعة للعمل تتجاوز الظروف المالية التي تحبسنا فيها الإعانة الحكومية التي ظلت الجمعية سجينة لها طوال تاريخها، وأن الرؤية تقودنا للتفكير خارج الصندوق بالسعي لتطوير الموارد وعقد الشراكات، وتطوير أنظمة العمل، وترشيد استثمار الموارد البشرية والمالية بهدف زيادة عدد المستفيدين ومد النشاط إلى أبعد مدى من محافظات بلادنا حتى تلك التي لا يوجد للجمعية فروع بها.

وقمعية العزيز السحيمي جعلته يطلق حكما مطلقا بأننا لم نقرأ «رؤية المملكة 2030» ولم نفهمها، ولكننا طلاب شهرة (قال مجانين شهرة) نسعى لركوب الموجة، وبالطبع فهو بحسه «القمعي» لم ولن يكلف نفسه تحمل مسؤولية ما يقول تجاه قرائه الكثر ويرفع سماعة هاتفه ليسأل «مجانين الشهرة»، كيف تركبون حفار قطار الأنفاق وأنتم لا تعرفون متى يصل وإلى أين؟

وقمعية العزيز السحيمي جعلته يطلق حكما صارخا في نفس تلك الأمسية التي جمعتنا، بالقول إنه شاهد كامل الأفلام -70 فيلما- التي عرضت في الدورة الثالثة لمهرجان الفيلم السعودي، وأنه وجدها «كلها» ركيكة لا تنتمي لصناعة الفيلم بشيء وأن حركة الكاميرا في هذه الأفلام ضعيفة و.. و.. ليخلص في النهاية إلى أنها لا تستحق بأن تسمى أفلاما ولا علاقة لها بالسينما، طبعا لم يقنعه قولي إن كثيرا من هذه الأفلام عرضت في مهرجانات دولية وإقليمية وحققت جوائز.. فهو الخبير!! لكني لم أستوعب أنه استطاع بالفعل مشاهدة كامل الـ70 فيلما وأين؟ خاصة أنه لم يشرفنا بحضوره، والذين حضروا على مدار 4 أيام وغصت بهم قاعة الجمعية بالدمام وكنت أعرف شغفهم وحرصهم لم أسمع من واحد منهم من ادعى بأنه شاهدها كلها باستثناء لجنة التحكيم، وحين سألته: أين شاهدتها يا محمد؟ قال: بعض المخرجين سربوا لي أفلامهم بشكل خاص.

والسحيمي العزيز فنان مهتم بالمسرح، أجده دائما في المهرجانات المسرحية التي تنظمها الجمعية حاضرا وناقدا ومشجعا ومحتفيا بتجارب الشباب وبإنجازاتهم، ولكنه مثل البعض من المسرحيين يعيش داخل خشبة المسرح ولا يطل حتى من خلال الحائط الرابع الوهمي ليسأل ماذا يريد الجمهور، أو ما إذا كانت هناك فنون أخرى تمارس وتزدهر في الغرف المجاورة، وأن المواهب لا تقتصر على المسرح مع الاعتراف بعظم دوره وأهميته كأب لباقي الفنون وحاضن لها. ولذا فلعله يعرف من تعقيبي هذا أن الجمعية مهتمة بشاب عمره 12 عاما يتدرب على الخط العربي في بيشة بنفس الدرجة التي تهتم به بشابة تعرض صورها في عرعر أو بشاب يقدم فيلمه الثاني ويحصل على الجائزة الأولى في مهرجان الأفلام السعودية.

يا محمد تجاوز الحائط الرابع وتجاوز حائطك الساخر، «قمعني» الله وإياك في قاعة المسرح الوطني السعودي عاجلا وليس بآجل إنه عزيز حكيم.