مفهومنا للطاعة وقدسية الموروث
الثلاثاء / 26 / رجب / 1437 هـ - 20:15 - الثلاثاء 3 مايو 2016 20:15
لا بد من أن كثيرين قد لاحظوا ارتباك وتلعثم الطفل السعودي مقارنة بالآخرين خاصة الأطفال المصريين وأطفال دول الشام الذين يتميزون بالطلاقة والجرأة.. هذه المعضلة الاتصالية التي تعكس خللا في تكوين شخصية الطفل، ومن ثم البالغ، إنما يكمن سببها المباشر في أسلوب التنشئة المتبع مع الطفل في مجتمعنا. هذا الأسلوب (الخاطئ) ينبع من مفاهيم اجتماعية خاطئة تعتبر ركائز أساسية ضمن موروثنا الثقافي الذي يمثل الإطار العام لكل ما يصدر منا من أقوال وأفعال. فالثقافة تعريفا هي تراكم المعرفة والخبرات والمعتقدات والقيم والعلاقات ومفاهيم الكون والماديات المكتسبة لدى أمة من الأمم عبر الأجيال والعصور. بمعنى آخر.. الثقافة هي الإطار الذي يحدد أفعالنا وأقوالنا ويجعلها تسير في تناسق مع أفعال وأقوال بقية أفراد المجتمع. والثقافة كونها تراكمية فهي متغيرة، وذلك بما يستجد عليها من معرفة وخبرات ومفاهيم ومكتسبات. أي أن الإطار الثقافي الذي يحكم أفعال وأقوال أفراد المجتمع يتغير بمرور الزمن.. وبالتالي فما هو مرفوض من فعل أو قول في زمن ما يصبح مقبولا في زمن آخر.. والعكس صحيح.
إن قراءة سريعة لواقعنا الاجتماعي قبل خمسين سنة فقط تظهر كيف أن الأبناء لم يكن لهم الخيرة في أي شأن من شؤونهم حتى الخاص منها كالزواج واختيار شريك العمر.. ولم يكن أحد يجرؤ على الرفض أو حتى التعبير عن الاستياء ولو ضمنا. كانت الطاعة المطلقة هي السبيل الأوحد للتعامل مع الوالدين.. كان مفهوم الطاعة يعني أن أي قرار وكل قرار هو بيد رب الأسرة ولم يكن بيد الابن أو الابنة سوى الامتثال.
واليوم.. وإن تغيرنا نوعا ما في تعاملنا مع أطفالنا إلا أننا ما زلنا نتبع أسلوبا صارما نسلب من خلاله هؤلاء الأطفال حقهم في النقاش والحوار وإبداء وجهات النظر.. وكل ذلك من منطلق ما نعتبره طاعة وأدب في التعامل. ما زلنا حتى اليوم نتبع أسلوب (اسكت يا ولد.. انكتمي يا بنت) .. بقدر ما نحاول إظهار كوننا متعلمين.. متفهمين.. مدركين لحاجات أبنائنا وبناتنا..
إنني هنا لا أنتقد الطاعة كمفهوم.. وإنما أنتقد مفهومنا للطاعة.. فبقدر ما هي واجبة .. شرعا وعرفا .. إلا أن مفهومنا لها كركن أساسي في موروثنا الثقافي مفهوم خاطئ.. إن مشكلتنا الأساسية ليست في الطاعة ذاتها كأسلوب تعامل يحكم علاقة الأبناء بآبائهم.. وإنما في كون مفهوم الطاعة جزءا من الموروث الثقافي.. إذ إن المساس بذلك الموروث.. ولو بمحاولة فهمه من خلال تحليله وتفكيكه.. يعتبر جريمة لا تغتفر.. وخروجا عن المألوف والمعروف.. فكيف بإعادة تقييمه أو حتى انتقاده. هذه القدسية التي نضفيها على موروثنا الثقافي بحيث لا يجوز الكلام فيه أو الخوض في جزئياته.. ناهيك عن محاولة إعادة صياغته وتركيبه.. هي جزء من القيود التي نفرضها ونكبل أنفسنا وواقعنا بها.
إن ما أنادي به هنا إنما هو تقبل مراجعة موروثنا الثقافي ونفض صفة وهالة القدسية المطلقة على (جميع) ركائز ذلك الموروث.. إذ إن من المؤكد أن هناك جوانب مقدسة ثابتة في ذلك الموروث كأمور العقيدة والإيمان المطلق بما أمر به الخالق جل وعلا والصحيح مما ورد عن نبيه المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.. أما ما عدا ذلك فمن حقنا إخضاعها للدراسة والتحليل وإعادة النظر والتقييم لتتفق وتتناسق مع متغيرات العصر ومتطلباته.. والوصول نحو الأفضل.
nmjuhani@makkahnp.com
إن قراءة سريعة لواقعنا الاجتماعي قبل خمسين سنة فقط تظهر كيف أن الأبناء لم يكن لهم الخيرة في أي شأن من شؤونهم حتى الخاص منها كالزواج واختيار شريك العمر.. ولم يكن أحد يجرؤ على الرفض أو حتى التعبير عن الاستياء ولو ضمنا. كانت الطاعة المطلقة هي السبيل الأوحد للتعامل مع الوالدين.. كان مفهوم الطاعة يعني أن أي قرار وكل قرار هو بيد رب الأسرة ولم يكن بيد الابن أو الابنة سوى الامتثال.
واليوم.. وإن تغيرنا نوعا ما في تعاملنا مع أطفالنا إلا أننا ما زلنا نتبع أسلوبا صارما نسلب من خلاله هؤلاء الأطفال حقهم في النقاش والحوار وإبداء وجهات النظر.. وكل ذلك من منطلق ما نعتبره طاعة وأدب في التعامل. ما زلنا حتى اليوم نتبع أسلوب (اسكت يا ولد.. انكتمي يا بنت) .. بقدر ما نحاول إظهار كوننا متعلمين.. متفهمين.. مدركين لحاجات أبنائنا وبناتنا..
إنني هنا لا أنتقد الطاعة كمفهوم.. وإنما أنتقد مفهومنا للطاعة.. فبقدر ما هي واجبة .. شرعا وعرفا .. إلا أن مفهومنا لها كركن أساسي في موروثنا الثقافي مفهوم خاطئ.. إن مشكلتنا الأساسية ليست في الطاعة ذاتها كأسلوب تعامل يحكم علاقة الأبناء بآبائهم.. وإنما في كون مفهوم الطاعة جزءا من الموروث الثقافي.. إذ إن المساس بذلك الموروث.. ولو بمحاولة فهمه من خلال تحليله وتفكيكه.. يعتبر جريمة لا تغتفر.. وخروجا عن المألوف والمعروف.. فكيف بإعادة تقييمه أو حتى انتقاده. هذه القدسية التي نضفيها على موروثنا الثقافي بحيث لا يجوز الكلام فيه أو الخوض في جزئياته.. ناهيك عن محاولة إعادة صياغته وتركيبه.. هي جزء من القيود التي نفرضها ونكبل أنفسنا وواقعنا بها.
إن ما أنادي به هنا إنما هو تقبل مراجعة موروثنا الثقافي ونفض صفة وهالة القدسية المطلقة على (جميع) ركائز ذلك الموروث.. إذ إن من المؤكد أن هناك جوانب مقدسة ثابتة في ذلك الموروث كأمور العقيدة والإيمان المطلق بما أمر به الخالق جل وعلا والصحيح مما ورد عن نبيه المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.. أما ما عدا ذلك فمن حقنا إخضاعها للدراسة والتحليل وإعادة النظر والتقييم لتتفق وتتناسق مع متغيرات العصر ومتطلباته.. والوصول نحو الأفضل.
nmjuhani@makkahnp.com