الرأي

ما لا يقوله الآخرون

دبس الرمان

هبة قاضي
هل كانت حملة دونالد ترامب لتسجل تراجعا مهولا لولا أن الصحافي والمصور براندون ستانتون المؤسس لحركة Human of new york المختصة في نشر الصور والتعليقات من أنحاء العالم بغرض التآزر، والدعم ونشر السلام، قد قام بكتابة رسالة مفتوحة مليئة بالجرأة والوضوح وعدم الخوف من تهمة (الانحياز للمسلمين) إلى دونالد ترامب على موقع التواصل الاجتماعي Facebook والتي تمت مشاركتها من قبل ثلاثمئة ألف شخص فقط في الساعة الأولى، مخبرا فيها العالم أنه تعامل مع المسلمين وعاش مآسيهم، وأن الإرهابي الحقيقي هو دونالد نفسه! يقول الخبراء إن كلمات براندون القوية وموقفه الواضح قد تكون خطت النهاية لمهزلة احتمال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية.

وهل كان علم النفس المختص بالاضطرابات العقلية خاصة فيما يخص مرض الاكتئاب وثنائي القطب ليتطور؟ وهل كان الكثير من المرضى ليدركوا إصابتهم بالمرض، ويشعروا بالثقة وبالأمل في الحياة وبالقدرة على الشفاء، لولا أن الإخصائية النفسية الدكتورة كاي جاميسون لم تملك الجرأة والشجاعة والرغبة في مساعدة الآخرين، وتجاهلت الخوف من حكم الآخرين ونظراتهم المتسائلة عن قدراتها كإنسانة أولا وكمتخصصة ثانيا، والتي دفعتها إلى كتابة قصتها كمصابة بمرض (ذهان الهوس الاكتئابي) Bipolar Affective Disorder في كتابها المشهور (عقل غير هادئ) An un quite mind الذي غير حياة الكثيرين وكشف الحقائق النفسية عن عالم كان غامضا لعقود، واصما أصحابه بكل قسوة بالجنون.

وهل كنا لنزداد وعياً، ورغبة في التفاعل مع رؤية السعودية 2030 التي أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان، لولا أن بعض الكتاب الغيورين على الصالح العام لم يمتلكوا الجرأة ليلقوا التساؤلات ويطرحوا الفرضيات بشأن الرؤية، رغبة في تحسينها وضمانا لنجاحها، رافعين بذلك مستوى الوعي العام، ولافتين نظر المسؤولين إلى أهمية بعض النقاط من وجهة نظر الشعب. ألا يحقق ذلك مصداقية أعلى، ويشعر المواطن بأهمية تفاعله وتفكره فيما يقال وهو الذي اعتاد فقط على مجرد التلقي فيما مضى، مما أدى إلى السلبية، وتحميل الثقل بكامله على الحكومة، وبالتالي ضعف المخرجات العامة.

من الأسهل أن نشاهد صامتين، ومن الأسهل أن نتخذ موقف الغالبية، ومن الأسهل أن نلملم أنفسنا وآلامنا وتجاربنا ونضعها في صناديق من الصمت القاتم بغرض الستر والسلامة، متظاهرين بالكمال والمثالية. ثم نجلس جميعا بجانب الحائط ننعى مصائب حلت، ومظلوميات مستمرة من أمد الآمدين، وتطورا بعيدا كما السماء بسبب جبننا الجماعي عن مكاشفة التجارب الحقيقية، واتخاذ المواقف الشجاعة. في حين أننا جميعا مدركون أن التغيير للأفضل لا يكون إلا حين يقول القلة ما لا يقوله الآخرون.