كلود إلزابيث وسيباستيان ينافسان محمد الرقام
تفاعل
الاحد / 24 / رجب / 1437 هـ - 00:15 - الاحد 1 مايو 2016 00:15
«يسعدني جدا أن أكتب تمهيدا لهذا الكتاب، الذي يلقي نظرة حب وفضول على جدة من قبل وافدين فرنسيين يحمل كل منهما تجربة مختلفة، ولكنهما يتفقان في المشاعر». بهذه العبارة استهل سعادة السفير الفرنسي في المملكة السيد برتران بيزانسينيه في تقديمه للكتاب (جدة غير) الذي كانت نقطة انطلاقه الحقيقية هي التعلق الشديد بمدينة جدة والذي جمع بين المؤلفين قبل مغادرتهما صيف 2015 وقد انتهت فترة عملهما بها.
«جدة غير» كتاب مختلف في المضمون والشكل في مئتي صفحة وهو ليس دليلا سياحيا بل هو دعوة إلى اكتشاف آخر لجدة، من خلال نظرة شخصين فرنسيين جاء الكتاب أنيقا في جزأين يشمل الأول التاريخ الذي صنع منها مدينة متعددة الوجوه مدهشة جذابة محاطة بالغموض، وقد آوت أحد أغنى المواطن في فجر تاريخ البشرية ومن هنا الافتخار العارم الذي يشعر به سكانها بالإضافة إلى الوافدين إليها حديثا أو العابرين.
أدركت حرص الكاتب السيد سيباستيان «والذي كان قد عين للتو ملحقا ثقافيا في القنصلية الفرنسية بجدة» على التعرف على العم محمد الرقام يرحمه الله وكان يطلب بالتحديد أن يوقفه على موقع السفارة الفرنسية القديم في جدة وكان البناء قد زال ضمن مشروع التوسعة في حارة الشام شمال مسجد الباشا، وخرجنا بعد العصر حيث تولت الترجمة السيدة «المتحمسة دائما» سلمى الأتاسي وكان يوما مميزا منذ أربع سنوات انتهى بوجبة عشاء نالت إعجاب الفرنسيين في أحد مطاعم «المندي» في العمارية بتزكية خبير الطعام فهد زهير فايز.
في الجزء الأول المخصص لتاريخ المدينة قرر الكاتبان أن يسجلا من خلال ماضيها الغني من جهة، ومن خلال عناصر ثقافتها المعاصرة الأشد إشراقا من جهة أخرى، حيث يقوم البحر برسم الجوانب التاريخية والدينية والبشرية والاقتصادية والثقافية وهو خط اختاره الكاتبان من وجهة نظرهما، وفي عبارات لا يغيب فيها الإعجاب يؤكد الكاتبان «العلاقة التي تقيمها جدة مع ماضيها المعروف، ترتبط قبل كل شيء بظهور الإسلام ونهوض مكة. لكن كتب الأخبار التاريخية تؤكد أيضا موقعها الاستراتيجي على مفترق الطرق التجارية التي تربط المحيط الهندي بأفريقيا، وداخل الجزيرة العربية، ومصر، والمشرق والبحر الأبيض المتوسط بفضل مرفئها»، «وكان هذا الجزء شريانا أمد الحياة الاقتصادية في الدولة السعودية (الوليدة) التي لم تكن قد تأكدت مواردها النفطية في مناطق أخرى من المملكة».
ولقد أعجبني كثيرا العمل المميز الذي طالما انتظرناه وخرج أخيرا في هذا الكتاب وهو التسجيل الدقيق للأعمال الفنية التي ترمز إلى المراحل التاريخية لجدة والتي تزين الكثير من ميادينها مثل منحوتة «ملحمة التوحيد» التي نفذها الفنان ربيع الأخرص عام 1999م وكذلك راية التوحيد في (أبرق الرغامة) وسط قباب مثلثة مصنوعة من معدن لامع تمثل الخيام ثم نبذة تاريخية عن قصر خزام، حيث تم توقيع الاتفاق بين قادة المملكة وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا للبدء في التنقيب عن النفط في 29 مايو 1933م.
ومن قصر خزام انطلق المؤلفان إلى بعض البيوت الجداوية الباقية المشهورة ومنها (بيت نصيف، وبيت باعشن، وبيت نور ولي، وبيت الشربتلي).
وكان من جوانب التعاون الثقافي الاتفاق بين أمانة محافظة جدة ومدرسة أفينيون الفرنسية الموقع في أكتوبر 2006 لمشروع تجديد وترميم مدينة جدة القديمة (البلد) بناء على دراسة قامت بها جامعة الملك عبدالعزيز وقد أعد الدليل الفني لترميم المباني التراثية في جدة التاريخية.
وفي استعراض دقيق يسجل الكتاب كل الأعمال الفنية التي تجعل من جدة مدينة أكبر متحف فني في الهواء الطلق بشهادة كبار الفنانين العالميين وخاصة النحاتين الذين فاجأتهم الواجهة البحرية والميادين الكبرى في جدة وأدهشتهم وقد لا يعرف كثير من أبناء جدة وسكانها أسماء الفنانين وتاريخ الأعمال وقيمتها، وقليل من المدن حظيت بهذا في ميادينها وإن لم تحظ بنفس العدد والحجم، فمثلا تجد في مدينة ماربيا جنوب إسبانيا حديقة صغيرة عن أعمال الفنان السريالي المشهور (سلفادور دالي) تفتخر بها المنطقة وتعتبرها معلما سياحيا يجذب إليها الزائرين من الداخل والخارج.
ولا يخلو التوثيق من المساجد القديمة والحديثة والتي تصل إلى ألفي مسجد في جدة منها الشافعي والمعمار ومسجد الباشا وعكاش ومسجد الملك سعود والجفالي والشربتلي ومسجد فاطمة الزهراء أو الرحمة وغيرها.
وفي الجزء الثاني من الكتاب يستعرض الكاتبان مظاهر الحياة الحديثة في جدة ابتداء من الأعمال الفنية الفريدة في المتحف المفتوح في الهواء الطلق الذي شارك في إبداعه رواد الفنانين العالميين والذي يندر أن نجد مثله في أي مدينة أخرى في العالم اليوم والذي بدأ فكرته المهندس محمد سعيد فارسي حين تسلم أمانة جدة في أواخر الستينات من القرن الماضي، وبالرغم من أن كثيرا من البيوت الأثرية القديمة تهاوت واختفت لأسباب مختلفة منها الحريق أو الإهمال وخسرتها جدة خلال الخمسين عاما الماضية، إلا أن إدراج المنطقة التاريخية (البلد) على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في يونيو 2014 وكذلك جهود الحكومة والأمانة بعثا هذا الأمل في الحفاظ على جدة القديمة (البلد) بأصالتها وعمارتها الفريدة ومساجدها القديمة وأسواقها وتقاطع شوارعها كأحد أقدم المواقع الرمزية وكذلك الأكثر جاذبية في جدة، وعندما يجد المتصفح لكتاب العم محمد الرقام (جدة وحكايات الزمن الجميل) صورة لتاريخ هذه المدينة في الماضي البعيد نجد في كتاب كلودو سيباستيان (جدة غير) صورة تكمل الجزء الحديث لشخصية هذه المدينة التي اشترك في عشقها الشرق والغرب وكأن هذين العاشقين الفرنسيين أرادا بهذا العمل أن يعلنا مشاركتهما في مسيرة الإعجاب والعشق التي حظيت بها جدة وتعلق بها المحبون وهم كثر!
ويقف في مقدمة قائمة المعجبين الفرنسيين شاعر فرنسا الأول فيكتور هيجو الذي خص جدة بقصيدة طويلة في ديوانه (معجزة العصور) والتي عرفنا عنها قريبا.
«جدة غير» كتاب مختلف في المضمون والشكل في مئتي صفحة وهو ليس دليلا سياحيا بل هو دعوة إلى اكتشاف آخر لجدة، من خلال نظرة شخصين فرنسيين جاء الكتاب أنيقا في جزأين يشمل الأول التاريخ الذي صنع منها مدينة متعددة الوجوه مدهشة جذابة محاطة بالغموض، وقد آوت أحد أغنى المواطن في فجر تاريخ البشرية ومن هنا الافتخار العارم الذي يشعر به سكانها بالإضافة إلى الوافدين إليها حديثا أو العابرين.
أدركت حرص الكاتب السيد سيباستيان «والذي كان قد عين للتو ملحقا ثقافيا في القنصلية الفرنسية بجدة» على التعرف على العم محمد الرقام يرحمه الله وكان يطلب بالتحديد أن يوقفه على موقع السفارة الفرنسية القديم في جدة وكان البناء قد زال ضمن مشروع التوسعة في حارة الشام شمال مسجد الباشا، وخرجنا بعد العصر حيث تولت الترجمة السيدة «المتحمسة دائما» سلمى الأتاسي وكان يوما مميزا منذ أربع سنوات انتهى بوجبة عشاء نالت إعجاب الفرنسيين في أحد مطاعم «المندي» في العمارية بتزكية خبير الطعام فهد زهير فايز.
في الجزء الأول المخصص لتاريخ المدينة قرر الكاتبان أن يسجلا من خلال ماضيها الغني من جهة، ومن خلال عناصر ثقافتها المعاصرة الأشد إشراقا من جهة أخرى، حيث يقوم البحر برسم الجوانب التاريخية والدينية والبشرية والاقتصادية والثقافية وهو خط اختاره الكاتبان من وجهة نظرهما، وفي عبارات لا يغيب فيها الإعجاب يؤكد الكاتبان «العلاقة التي تقيمها جدة مع ماضيها المعروف، ترتبط قبل كل شيء بظهور الإسلام ونهوض مكة. لكن كتب الأخبار التاريخية تؤكد أيضا موقعها الاستراتيجي على مفترق الطرق التجارية التي تربط المحيط الهندي بأفريقيا، وداخل الجزيرة العربية، ومصر، والمشرق والبحر الأبيض المتوسط بفضل مرفئها»، «وكان هذا الجزء شريانا أمد الحياة الاقتصادية في الدولة السعودية (الوليدة) التي لم تكن قد تأكدت مواردها النفطية في مناطق أخرى من المملكة».
ولقد أعجبني كثيرا العمل المميز الذي طالما انتظرناه وخرج أخيرا في هذا الكتاب وهو التسجيل الدقيق للأعمال الفنية التي ترمز إلى المراحل التاريخية لجدة والتي تزين الكثير من ميادينها مثل منحوتة «ملحمة التوحيد» التي نفذها الفنان ربيع الأخرص عام 1999م وكذلك راية التوحيد في (أبرق الرغامة) وسط قباب مثلثة مصنوعة من معدن لامع تمثل الخيام ثم نبذة تاريخية عن قصر خزام، حيث تم توقيع الاتفاق بين قادة المملكة وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا للبدء في التنقيب عن النفط في 29 مايو 1933م.
ومن قصر خزام انطلق المؤلفان إلى بعض البيوت الجداوية الباقية المشهورة ومنها (بيت نصيف، وبيت باعشن، وبيت نور ولي، وبيت الشربتلي).
وكان من جوانب التعاون الثقافي الاتفاق بين أمانة محافظة جدة ومدرسة أفينيون الفرنسية الموقع في أكتوبر 2006 لمشروع تجديد وترميم مدينة جدة القديمة (البلد) بناء على دراسة قامت بها جامعة الملك عبدالعزيز وقد أعد الدليل الفني لترميم المباني التراثية في جدة التاريخية.
وفي استعراض دقيق يسجل الكتاب كل الأعمال الفنية التي تجعل من جدة مدينة أكبر متحف فني في الهواء الطلق بشهادة كبار الفنانين العالميين وخاصة النحاتين الذين فاجأتهم الواجهة البحرية والميادين الكبرى في جدة وأدهشتهم وقد لا يعرف كثير من أبناء جدة وسكانها أسماء الفنانين وتاريخ الأعمال وقيمتها، وقليل من المدن حظيت بهذا في ميادينها وإن لم تحظ بنفس العدد والحجم، فمثلا تجد في مدينة ماربيا جنوب إسبانيا حديقة صغيرة عن أعمال الفنان السريالي المشهور (سلفادور دالي) تفتخر بها المنطقة وتعتبرها معلما سياحيا يجذب إليها الزائرين من الداخل والخارج.
ولا يخلو التوثيق من المساجد القديمة والحديثة والتي تصل إلى ألفي مسجد في جدة منها الشافعي والمعمار ومسجد الباشا وعكاش ومسجد الملك سعود والجفالي والشربتلي ومسجد فاطمة الزهراء أو الرحمة وغيرها.
وفي الجزء الثاني من الكتاب يستعرض الكاتبان مظاهر الحياة الحديثة في جدة ابتداء من الأعمال الفنية الفريدة في المتحف المفتوح في الهواء الطلق الذي شارك في إبداعه رواد الفنانين العالميين والذي يندر أن نجد مثله في أي مدينة أخرى في العالم اليوم والذي بدأ فكرته المهندس محمد سعيد فارسي حين تسلم أمانة جدة في أواخر الستينات من القرن الماضي، وبالرغم من أن كثيرا من البيوت الأثرية القديمة تهاوت واختفت لأسباب مختلفة منها الحريق أو الإهمال وخسرتها جدة خلال الخمسين عاما الماضية، إلا أن إدراج المنطقة التاريخية (البلد) على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في يونيو 2014 وكذلك جهود الحكومة والأمانة بعثا هذا الأمل في الحفاظ على جدة القديمة (البلد) بأصالتها وعمارتها الفريدة ومساجدها القديمة وأسواقها وتقاطع شوارعها كأحد أقدم المواقع الرمزية وكذلك الأكثر جاذبية في جدة، وعندما يجد المتصفح لكتاب العم محمد الرقام (جدة وحكايات الزمن الجميل) صورة لتاريخ هذه المدينة في الماضي البعيد نجد في كتاب كلودو سيباستيان (جدة غير) صورة تكمل الجزء الحديث لشخصية هذه المدينة التي اشترك في عشقها الشرق والغرب وكأن هذين العاشقين الفرنسيين أرادا بهذا العمل أن يعلنا مشاركتهما في مسيرة الإعجاب والعشق التي حظيت بها جدة وتعلق بها المحبون وهم كثر!
ويقف في مقدمة قائمة المعجبين الفرنسيين شاعر فرنسا الأول فيكتور هيجو الذي خص جدة بقصيدة طويلة في ديوانه (معجزة العصور) والتي عرفنا عنها قريبا.