جدة والحداثة.. الغذامي قبيل الخطيئة والتكفير
الجمعة / 22 / رجب / 1437 هـ - 23:45 - الجمعة 29 أبريل 2016 23:45
يظهر لي أن الدكتور عبدالله الغذامي كأنما تنازعته مسألتان؛ فالرجل لا يزال لموسيقا الشعر الحر سلطان عليه، وعساه فكر أن لو استوفَى كلامه فيها حتى يفرغ لهذا الكلم الجديد الذي تَسَمَّعه من الدكتور سعد مصلوح، وإننا لنراه حفيّا بهذا المنهج الجديد، حتى إذا ما أنشأت الجامعة «مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية»، عام 1401هـ (1980م)، وكان الغذامي عضوا في هيئتها التحريرية، قرأنا في عددها الأول بحثا يتخذ «الأسلوبية الإحصائية» موضوعا له، وكان صاحب البحث داعية النقد الحداثي في جامعة الملك عبدالعزيز، آنئذ، الدكتور سعد مصلوح، وقرأنا في العدد نفسه بحثا عن موسيقا الشعر الحر عند نازك الملائكة، للدكتور عبدالله الغذامي.
استوفى الدكتور سعد مصلوح عمله في جامعة الملك عبدالعزيز عام 1402 (1982)، وآب إلى بلاده، وفي تلك المدَّة أنشأ الدكتور عبدالله الغذامي يتصل، قليلا قليلا، بالنقد الأدبي الحديث، ولمَّا يَخُضْ، بعْدُ، غمرات «النقد الحداثي»، وربما كان بحثه عن الشاعر صلاح عبدالصبور خير بيان عن اتصاله بالنقد الحديث، والحقّ أن هذا البحث الذي كان في أصله محاضرة حوضر بها عام 1402 (1982)، ثم نشر في مجلة «فصول»، عام 1984، قبل أن يضمه كتاب «تشريح النص» عام 1987 - تجلو لنا فقراته «حماسة» أستاذ جامعي قريب عهد بالنقد الحديث والقصيدة الحديثة، فجعل يتلمَّس طريقه إلى «تذوُّقها»، حتى إذا كان له ذلك، أنشأ يضع العلامات والصوى لقارئه، كيما يستبين له سبيل «تذوُّق» الشعر الحديث، ويقوِّي ذلك أن البحث كان عنوانه في المجلة «كيف تتذوَّق قصيدة حديثة؟»، حتى إذا أصبح فصلا في كتاب، صار «الدخول إلى الخروج»، وهو كما نرى عنوان حداثي له خلابة! ولا شكَّ عندي أن العنوان الأول أدنى إلى «التعليم» منه إلى النقد الأدبي، وكأنما أدرك الغذامي ذلك، بأَخَرَةٍ، فَعَدَلَ عنه إلى العنوان الجديد، فإذا ما جُزْنا العنوان وشرعنا في قراءة البحث استبان لنا، من غير غموض، أن البحث إنما همه أن يضع بين يدي القارئ آلة «تعليمية» تأخذ بيده إلى القصيدة الحديثة، وسبيله إليها يمرّ بـ»اللغة»، و»الأسطورة»، و»الصورة»، وأخيرا «الإيقاع»، حتى إذا تهدَّى إلى ذلك «ذاق» القصيدة، لكننا لا نظفر في هذا البحث، وإن نشر في مجلة «حداثية»، بأي أثر لمناهج النقد الحداثي أو ما بعد الحداثي، بل إننا لا نقع على أي مرجع في الأسلوبية ولا السيميائية دع عنك البنيوية، مما أولع به نقاد الحداثة، آنئذ، ولا سيما نقاد مجلة «فصول»، ومما عرفه الغذامي قبيل ذلك.
وأقرب الظن أنْ محاضرة الغذامي «المنعطف النقدي بين علم الأدب وعلم المضمون» عام 1405 (1984)، كانت بمنزلة «العَتَبَة» التي خطا بها إلى «النقد الألسني»، ويستجلب النظر أن هذه المحاضرة كانت قبيل صدور كتابه «الخطيئة والتكفير»، عام 1405 (1985)، بمدَّة يسيرة، وأن الغذامي كان فيها كمن «يبشِّر» بنحلة جديدة، هي «النقد الألسني»، على أن هذا النقد الذي أفرط في الحماسة له، لم يكن إلا «الأسلوبية»، وإننا لنراه يطوف بمناهج مزقت الأدب أشلاء فتفرَّق «دمه» في قبائل المناهج التاريخية والاجتماعية والنفسية، حتى إذا استحكم أسر الأدب، وضاع «تحت سنابك (علم المضمون)»، - وهذا كلامه هو - «جاءت الأسلوبية لتعيد للنص روحه، فتجعله موضوع الدرس الأدبي»، لكننا لا نقف في هذه المحاضرة، كذلك، على تلك المصطلحات التي رَحُبَ بها متن «الخطيئة والتكفير»، لم نقرأ شيئا عن «البنيوية» ولا «التشريحية» ولا «السيميولوجية» وما سواها من الكلم الجديد، وكأنما كان النقد الجديد الذي تسوقه المحاضرة إلى جمهورها ليس إلا «الأسلوبية» التي ملكتْ عليه خياله، فإذا أنشأتَ تقرأها، وإذا استصفيتَ «حماسة» مفرطة ذابت في أثنائها، فعسى أن تُذْكِرك هذه المحاضرة التي ألقاها عبدالله الغذامي في الطائف، عام 1405 (1984)، بمحاضرة سعد مصلوح في جدَّة، عام 1402 (1982)، وإذا ما نَحَّينا إشارات مصلوح المبكِّرة إلى «البنيوية» وأعلامها من الغربيين - فإنك واجدٌ أن موضوع المحاضرتين واحد، وهموم الرجلين، هنا وثمَّة، واحدة، مهما اختلفت اللغة والمفردات، ومهما اشتطَّ بنا الزمان والمكان.
استوفى الدكتور سعد مصلوح عمله في جامعة الملك عبدالعزيز عام 1402 (1982)، وآب إلى بلاده، وفي تلك المدَّة أنشأ الدكتور عبدالله الغذامي يتصل، قليلا قليلا، بالنقد الأدبي الحديث، ولمَّا يَخُضْ، بعْدُ، غمرات «النقد الحداثي»، وربما كان بحثه عن الشاعر صلاح عبدالصبور خير بيان عن اتصاله بالنقد الحديث، والحقّ أن هذا البحث الذي كان في أصله محاضرة حوضر بها عام 1402 (1982)، ثم نشر في مجلة «فصول»، عام 1984، قبل أن يضمه كتاب «تشريح النص» عام 1987 - تجلو لنا فقراته «حماسة» أستاذ جامعي قريب عهد بالنقد الحديث والقصيدة الحديثة، فجعل يتلمَّس طريقه إلى «تذوُّقها»، حتى إذا كان له ذلك، أنشأ يضع العلامات والصوى لقارئه، كيما يستبين له سبيل «تذوُّق» الشعر الحديث، ويقوِّي ذلك أن البحث كان عنوانه في المجلة «كيف تتذوَّق قصيدة حديثة؟»، حتى إذا أصبح فصلا في كتاب، صار «الدخول إلى الخروج»، وهو كما نرى عنوان حداثي له خلابة! ولا شكَّ عندي أن العنوان الأول أدنى إلى «التعليم» منه إلى النقد الأدبي، وكأنما أدرك الغذامي ذلك، بأَخَرَةٍ، فَعَدَلَ عنه إلى العنوان الجديد، فإذا ما جُزْنا العنوان وشرعنا في قراءة البحث استبان لنا، من غير غموض، أن البحث إنما همه أن يضع بين يدي القارئ آلة «تعليمية» تأخذ بيده إلى القصيدة الحديثة، وسبيله إليها يمرّ بـ»اللغة»، و»الأسطورة»، و»الصورة»، وأخيرا «الإيقاع»، حتى إذا تهدَّى إلى ذلك «ذاق» القصيدة، لكننا لا نظفر في هذا البحث، وإن نشر في مجلة «حداثية»، بأي أثر لمناهج النقد الحداثي أو ما بعد الحداثي، بل إننا لا نقع على أي مرجع في الأسلوبية ولا السيميائية دع عنك البنيوية، مما أولع به نقاد الحداثة، آنئذ، ولا سيما نقاد مجلة «فصول»، ومما عرفه الغذامي قبيل ذلك.
وأقرب الظن أنْ محاضرة الغذامي «المنعطف النقدي بين علم الأدب وعلم المضمون» عام 1405 (1984)، كانت بمنزلة «العَتَبَة» التي خطا بها إلى «النقد الألسني»، ويستجلب النظر أن هذه المحاضرة كانت قبيل صدور كتابه «الخطيئة والتكفير»، عام 1405 (1985)، بمدَّة يسيرة، وأن الغذامي كان فيها كمن «يبشِّر» بنحلة جديدة، هي «النقد الألسني»، على أن هذا النقد الذي أفرط في الحماسة له، لم يكن إلا «الأسلوبية»، وإننا لنراه يطوف بمناهج مزقت الأدب أشلاء فتفرَّق «دمه» في قبائل المناهج التاريخية والاجتماعية والنفسية، حتى إذا استحكم أسر الأدب، وضاع «تحت سنابك (علم المضمون)»، - وهذا كلامه هو - «جاءت الأسلوبية لتعيد للنص روحه، فتجعله موضوع الدرس الأدبي»، لكننا لا نقف في هذه المحاضرة، كذلك، على تلك المصطلحات التي رَحُبَ بها متن «الخطيئة والتكفير»، لم نقرأ شيئا عن «البنيوية» ولا «التشريحية» ولا «السيميولوجية» وما سواها من الكلم الجديد، وكأنما كان النقد الجديد الذي تسوقه المحاضرة إلى جمهورها ليس إلا «الأسلوبية» التي ملكتْ عليه خياله، فإذا أنشأتَ تقرأها، وإذا استصفيتَ «حماسة» مفرطة ذابت في أثنائها، فعسى أن تُذْكِرك هذه المحاضرة التي ألقاها عبدالله الغذامي في الطائف، عام 1405 (1984)، بمحاضرة سعد مصلوح في جدَّة، عام 1402 (1982)، وإذا ما نَحَّينا إشارات مصلوح المبكِّرة إلى «البنيوية» وأعلامها من الغربيين - فإنك واجدٌ أن موضوع المحاضرتين واحد، وهموم الرجلين، هنا وثمَّة، واحدة، مهما اختلفت اللغة والمفردات، ومهما اشتطَّ بنا الزمان والمكان.