الصحفي.. الدجاجة
تفاعل
الجمعة / 22 / رجب / 1437 هـ - 23:45 - الجمعة 29 أبريل 2016 23:45
نشرت منظمة مراسلون بلا حدود تقريرها السنوي للعام 2016 حول ترتيب الدول من حيث مستوى حرية الصحافة فيها، التقرير ضم 177 دولة، حلت السعودية في الترتيب 165 عالميا، والـ17 من بين 22 دولة عربية، والأخيرة خليجيا، بعد الكويت، قطر، الإمارات، عمان، البحرين.
لم يفاجئني الترتيب ولا أظن أن فيه تجنيا، كما لا يندرج ضمن التقارير المعززة لنظرية المؤامرة، واستهدافنا بتشويه الصورة دون غيرنا من العالمين.
حرية الصحافة في السعودية قيدتها عدة عوامل، أهمها العاملون في المهنة أنفسهم، الذين أسهموا بشكل فعال في حصولنا على هذا الترتيب المتأخر جدا، رغم أن دورهم يجب أن يكون النقيض تماما، فرؤساء ومديرو التحرير ومديرو المكاتب، يضعون معايير للمسموح والممنوع من النشر، غير مبنية على أسس واضحة وموحدة لجميع الصحف، سواء من جهة عليا أو مرجعية كوزارة الثقافة والإعلام، والدليل على ذلك أن ما يمنع في صحيفة ينشر في أخرى، بل أجريت تجربة عملية على ذلك بنفسي، فتمت مقايضة مادة منعت في صحيفة بمادة منعت في صحيفة أخرى، وأرسلت كلتا المادتين للنشر في الصحيفة الأخرى، وكانت المفارقة أن كلتا المادتين نشرتا وفي الصفحة الأولى!
المنع من النشر يخضع في كثير من الأحيان للرؤية الشخصية لإدارة التحرير، فيكثفون الخطوط الحمراء التي جزء كبير منها موجود في عقولهم فقط، وربما كان لعلاقاتهم مع هذا المسؤول أو ذاك دور في المنع، أو لقلقهم من انعكاس تناول بعض الموضوعات على تقلص الإعلانات.
وأثر كل هذه الأصفاد الحديدية، ليس بسيطا كما قد يظن البعض، بل نتائجه تعود بالسلب على الصحف ذاتها، وعلى محرريها الميدانيين، وعلى المجتمع ككل، فالصحف يجب أن تكون مرآة المجتمع، تعكس واقعه، همومه، مشاكله كما هو تماما دون تغيير أو تعديل، فإذا وجد الناس أن هذه المرآة مزودة ببرنامج فوتوشوب، يجعل الواقع أجمل مما هو، ويضيف إليه خلفية من حديقة غناء وسماء صافية تحلق فيها الحمائم والفراشات الزاهية، انصرفوا عن الصحف وخلفوها وراء ظهورهم غير آبهين بها وبما تعرضه عليهم من زيف، وهذا جعل مواقع التواصل الاجتماعي متنفسا حقيقيا مجانيا، وأكثر مصداقية من صحف رؤوس أموالها بالملايين، غير أن الانصراف لمواقع التواصل لا يخلو أيضا من مخاطر عديدة ليس في المقام متسع لتفصيلها.
الصحافة عمل إبداعي يتنفس في ظل الحرية والمساحات المفتوحة، الصحفي حين ينخفض السقف فوق رأسه ويحاط بحواجز أسمنتية رمادية كئيبة، يختنق الكائن الخلاق بداخله ويموت شيئا فشيئا، يتحول من طائر لدجاجة، تبيض بيضات لا تفقس منها صيصان!
والحالة السابقة تصيب الصحفيين الحقيقيين فقط، لا من ينتجون مواد مملة لا يقرؤها غيرهم، أو من يستلقون على الأرائك، يشربون الشاي المنعنع بعد القهوة ومن ثم قهوة بعد الشاي، منتظرين البيانات الجاهزة من الجهات الحكومية ليدونوا أسماءهم عليها.
وما يفاقم المشكلة الدور الهزيل لهيئة الصحفيين المتوفاة دماغيا، والتي يرأس مجلس إدارتها أعضاء لا يقومون بشيء ولا يقدمون لأعضائها أي دعم من أي نوع، ولا أعلم حقيقة ما هدف وجودها.
على القائمين على الصحف مراجعة أنفسهم، وعقد اجتماعات تضم رؤساء التحرير، وتقييم المحتوى الذي يقدمونه للقراء، إلى أي مدى يعبر عنهم ويشبههم، وهل خطوطهم الحمراء، حقيقية أم خوف وقلق وحذر لا مبرر له، الاعتراف بالمشكلة أولى جرعات العلاج، والدول تنمو وتتطور بالنقد البناء المبني على دلائل متينة، بالإشارة لموقع الخلل بهدف تقويم الحاضر وازدهار المستقبل، النقد البناء دلالة حب الوطن والوفاء له، وهو فرض عين على كل صحفي صادق، يحترم مهنته ويحترم عقول الآخرين.
لم يفاجئني الترتيب ولا أظن أن فيه تجنيا، كما لا يندرج ضمن التقارير المعززة لنظرية المؤامرة، واستهدافنا بتشويه الصورة دون غيرنا من العالمين.
حرية الصحافة في السعودية قيدتها عدة عوامل، أهمها العاملون في المهنة أنفسهم، الذين أسهموا بشكل فعال في حصولنا على هذا الترتيب المتأخر جدا، رغم أن دورهم يجب أن يكون النقيض تماما، فرؤساء ومديرو التحرير ومديرو المكاتب، يضعون معايير للمسموح والممنوع من النشر، غير مبنية على أسس واضحة وموحدة لجميع الصحف، سواء من جهة عليا أو مرجعية كوزارة الثقافة والإعلام، والدليل على ذلك أن ما يمنع في صحيفة ينشر في أخرى، بل أجريت تجربة عملية على ذلك بنفسي، فتمت مقايضة مادة منعت في صحيفة بمادة منعت في صحيفة أخرى، وأرسلت كلتا المادتين للنشر في الصحيفة الأخرى، وكانت المفارقة أن كلتا المادتين نشرتا وفي الصفحة الأولى!
المنع من النشر يخضع في كثير من الأحيان للرؤية الشخصية لإدارة التحرير، فيكثفون الخطوط الحمراء التي جزء كبير منها موجود في عقولهم فقط، وربما كان لعلاقاتهم مع هذا المسؤول أو ذاك دور في المنع، أو لقلقهم من انعكاس تناول بعض الموضوعات على تقلص الإعلانات.
وأثر كل هذه الأصفاد الحديدية، ليس بسيطا كما قد يظن البعض، بل نتائجه تعود بالسلب على الصحف ذاتها، وعلى محرريها الميدانيين، وعلى المجتمع ككل، فالصحف يجب أن تكون مرآة المجتمع، تعكس واقعه، همومه، مشاكله كما هو تماما دون تغيير أو تعديل، فإذا وجد الناس أن هذه المرآة مزودة ببرنامج فوتوشوب، يجعل الواقع أجمل مما هو، ويضيف إليه خلفية من حديقة غناء وسماء صافية تحلق فيها الحمائم والفراشات الزاهية، انصرفوا عن الصحف وخلفوها وراء ظهورهم غير آبهين بها وبما تعرضه عليهم من زيف، وهذا جعل مواقع التواصل الاجتماعي متنفسا حقيقيا مجانيا، وأكثر مصداقية من صحف رؤوس أموالها بالملايين، غير أن الانصراف لمواقع التواصل لا يخلو أيضا من مخاطر عديدة ليس في المقام متسع لتفصيلها.
الصحافة عمل إبداعي يتنفس في ظل الحرية والمساحات المفتوحة، الصحفي حين ينخفض السقف فوق رأسه ويحاط بحواجز أسمنتية رمادية كئيبة، يختنق الكائن الخلاق بداخله ويموت شيئا فشيئا، يتحول من طائر لدجاجة، تبيض بيضات لا تفقس منها صيصان!
والحالة السابقة تصيب الصحفيين الحقيقيين فقط، لا من ينتجون مواد مملة لا يقرؤها غيرهم، أو من يستلقون على الأرائك، يشربون الشاي المنعنع بعد القهوة ومن ثم قهوة بعد الشاي، منتظرين البيانات الجاهزة من الجهات الحكومية ليدونوا أسماءهم عليها.
وما يفاقم المشكلة الدور الهزيل لهيئة الصحفيين المتوفاة دماغيا، والتي يرأس مجلس إدارتها أعضاء لا يقومون بشيء ولا يقدمون لأعضائها أي دعم من أي نوع، ولا أعلم حقيقة ما هدف وجودها.
على القائمين على الصحف مراجعة أنفسهم، وعقد اجتماعات تضم رؤساء التحرير، وتقييم المحتوى الذي يقدمونه للقراء، إلى أي مدى يعبر عنهم ويشبههم، وهل خطوطهم الحمراء، حقيقية أم خوف وقلق وحذر لا مبرر له، الاعتراف بالمشكلة أولى جرعات العلاج، والدول تنمو وتتطور بالنقد البناء المبني على دلائل متينة، بالإشارة لموقع الخلل بهدف تقويم الحاضر وازدهار المستقبل، النقد البناء دلالة حب الوطن والوفاء له، وهو فرض عين على كل صحفي صادق، يحترم مهنته ويحترم عقول الآخرين.