مكة.. عراقة التجارة العالمية
الخميس / 21 / رجب / 1437 هـ - 04:00 - الخميس 28 أبريل 2016 04:00
على الرغم من التغيرات الاقتصادية العالمية التي شملت المعاملات التجارية والاقتصاد كعلم متطور على مر الزمان، إلا أننا نجد أن كثيرا من نقاط ارتكازه القديمة بدأت في الظهور مرة أخرى، لأغراض التفسير والتحليل. من هذه المواقع المهمة منطقة مكة المكرمة كمركز ديني وتجاري برز عبر التاريخ وبالأخص في القرن السادس الميلادي، وذلك من خلال سيطرتها على طرق التجارة المارة في غربي الجزيرة العربية، وعلى تجارة القوافل الغنية في الجزيرة العربية نفسها.
عبر هذا المركز كانت تتم مبادلة البضائع الآتية من الشرق مثل الهند والصين، والآتية من الغرب مثل الحبشة، ومن الجنوب من اليمن، ومن الشمال من الشام والمناطق المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط.
ذهلت مرة بوجود شيء من هذا التوثيق ربطه أحد الباحثين العرب بما جاء في سورة (قريش): «لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف»، كتأصيل بديع لإحدى مراحل التجارة في الجزيرة العربية. وهذا يعكس فيما يعكس نظرة الإسلام الإيجابية إلى التجارة والعمل، ومدى تحول مراكز مهمة، كمكة المكرمة والبصرة والحيرة ودمشق وطرسوس والقاهرة وبغداد وسواكن إلى مراكز تجارية عريقة. وليس بغريب أن يعرف العرب تاريخيا بإتقانهم للتجارة، وبقدرتهم على التوسع فيها برا وبحرا، ومهاراتهم في التعامل مع أقاليم بعيدة عن أرضهم. وليس هذا فحسب ولكن سيطروا عبر حقب تاريخية بعيدة على طرق ومراكز تجارية ما زال بعضها يشتهر باسمها العربي القديم.
هذا إن دل فإنما يدل على مدى اتساع التجارة الدولية عند العرب في القرنين الثالث والرابع الهجريين وما بعدهما. ومن الصعب التسليم بارتهان التجارة العربية الآن إلى القوانين التي يصوغها الغرب دون إشراك فعلي للدول العربية والدول النامية ودول العالم الثالث.
يرتبط هذا بشكل مباشر بطريق الحرير الذي يتم العزم على استعادته حاليا من أعماق التاريخ. ولم يقتصر الطريق الذي تكون من مسلكين بري وبحري، على الربط بين أقاصي وأواسط آسيا وشمال أفريقيا ووسط أوروبا على الحرير وحده وإنما سهل نقل السلع والأفكار، من الشاي الصيني إلى اختراعات مثل الورق والبارود والبوصلة، فضلا عن المنتجات الثقافية، كما عرفت آسيا بفضله الإسلام. ولن يقتصر مشروع الطريق الحالي على ما تم في الماضي رغم عظمته وإنما تدخل قضايا التغييرات الدولية على المستوى الاقتصادي خاصة؛ بقوة في إحياء الطريق القديم وإنعاشه. وأهم هذه التغييرات هو تسارع التطور التكنولوجي والذي تلعب الصين فيه دورا كبيرا يتماشى مع نهضتها المتصاعدة.
قبل ستمئة سنة، نزل تشنج خه، الملاح الصيني المسلم، بأسطول ضخم من السفن البحرية محملا بكميات كبيرة من الحرير والخزف الصيني والمسك والأدوات النحاسية والحديدية وغيرها من السلع، وذلك لممارسة التجارة مع البلدان المطلة على المحيط الهندي وتنمية العلاقات الودية. كانت جزيرة العرب هي المنطقة الرئيسية للتجارة التي قام تشنج خه بها، كما كانت منطقة مضيق هرمز إحدى نقاط الارتكاز التجارية الأساسية لأسطوله. وذكر أن تشنج خه قام برحلاته السبع إلى المحيط الهندي، وزار فيها عددا كبيرا من البلدان العربية، مما أسفر عن توافد رسل البلدان العربية إلى الصين في زيارات جوابية، كما أدى إلى كسر الجمود الذي أصاب العلاقات الاقتصادية الصينية العربية الذي كان يظهر شكل التجارة وكأنه من طرف واحد. نشر تشنج خه أسلوب وأدب التعامل الصيني والأفكار الكونفوشيوسية والتقويم ونظام المقاييس والمكاييل والموازين والتكنولوجيا الزراعية وتكنولوجيا الصناعة وتكنولوجيا الحفر المعمارية والطب وتكنولوجيا الملاحة وصناعة السفن.
وحديثا مع انضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية، فإن هذا يعني حتمية مواجهة البنى الاقتصادية الجديدة، التي تتسم بتغيرات ديناميكية تفرضها عولمة العلاقات الاقتصادية مع علاقات قديمة تنضح عراقة وأصالة.
mona.a@makkahnp.com
عبر هذا المركز كانت تتم مبادلة البضائع الآتية من الشرق مثل الهند والصين، والآتية من الغرب مثل الحبشة، ومن الجنوب من اليمن، ومن الشمال من الشام والمناطق المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط.
ذهلت مرة بوجود شيء من هذا التوثيق ربطه أحد الباحثين العرب بما جاء في سورة (قريش): «لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف»، كتأصيل بديع لإحدى مراحل التجارة في الجزيرة العربية. وهذا يعكس فيما يعكس نظرة الإسلام الإيجابية إلى التجارة والعمل، ومدى تحول مراكز مهمة، كمكة المكرمة والبصرة والحيرة ودمشق وطرسوس والقاهرة وبغداد وسواكن إلى مراكز تجارية عريقة. وليس بغريب أن يعرف العرب تاريخيا بإتقانهم للتجارة، وبقدرتهم على التوسع فيها برا وبحرا، ومهاراتهم في التعامل مع أقاليم بعيدة عن أرضهم. وليس هذا فحسب ولكن سيطروا عبر حقب تاريخية بعيدة على طرق ومراكز تجارية ما زال بعضها يشتهر باسمها العربي القديم.
هذا إن دل فإنما يدل على مدى اتساع التجارة الدولية عند العرب في القرنين الثالث والرابع الهجريين وما بعدهما. ومن الصعب التسليم بارتهان التجارة العربية الآن إلى القوانين التي يصوغها الغرب دون إشراك فعلي للدول العربية والدول النامية ودول العالم الثالث.
يرتبط هذا بشكل مباشر بطريق الحرير الذي يتم العزم على استعادته حاليا من أعماق التاريخ. ولم يقتصر الطريق الذي تكون من مسلكين بري وبحري، على الربط بين أقاصي وأواسط آسيا وشمال أفريقيا ووسط أوروبا على الحرير وحده وإنما سهل نقل السلع والأفكار، من الشاي الصيني إلى اختراعات مثل الورق والبارود والبوصلة، فضلا عن المنتجات الثقافية، كما عرفت آسيا بفضله الإسلام. ولن يقتصر مشروع الطريق الحالي على ما تم في الماضي رغم عظمته وإنما تدخل قضايا التغييرات الدولية على المستوى الاقتصادي خاصة؛ بقوة في إحياء الطريق القديم وإنعاشه. وأهم هذه التغييرات هو تسارع التطور التكنولوجي والذي تلعب الصين فيه دورا كبيرا يتماشى مع نهضتها المتصاعدة.
قبل ستمئة سنة، نزل تشنج خه، الملاح الصيني المسلم، بأسطول ضخم من السفن البحرية محملا بكميات كبيرة من الحرير والخزف الصيني والمسك والأدوات النحاسية والحديدية وغيرها من السلع، وذلك لممارسة التجارة مع البلدان المطلة على المحيط الهندي وتنمية العلاقات الودية. كانت جزيرة العرب هي المنطقة الرئيسية للتجارة التي قام تشنج خه بها، كما كانت منطقة مضيق هرمز إحدى نقاط الارتكاز التجارية الأساسية لأسطوله. وذكر أن تشنج خه قام برحلاته السبع إلى المحيط الهندي، وزار فيها عددا كبيرا من البلدان العربية، مما أسفر عن توافد رسل البلدان العربية إلى الصين في زيارات جوابية، كما أدى إلى كسر الجمود الذي أصاب العلاقات الاقتصادية الصينية العربية الذي كان يظهر شكل التجارة وكأنه من طرف واحد. نشر تشنج خه أسلوب وأدب التعامل الصيني والأفكار الكونفوشيوسية والتقويم ونظام المقاييس والمكاييل والموازين والتكنولوجيا الزراعية وتكنولوجيا الصناعة وتكنولوجيا الحفر المعمارية والطب وتكنولوجيا الملاحة وصناعة السفن.
وحديثا مع انضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية، فإن هذا يعني حتمية مواجهة البنى الاقتصادية الجديدة، التي تتسم بتغيرات ديناميكية تفرضها عولمة العلاقات الاقتصادية مع علاقات قديمة تنضح عراقة وأصالة.
mona.a@makkahnp.com