الفساد أين.. وكيف؟
الثلاثاء / 19 / رجب / 1437 هـ - 21:30 - الثلاثاء 26 أبريل 2016 21:30
نسمع الحديث كثيرا عن الفساد، وأنه داء عضال يصيب جسد المجتمع في مقتل، ويفسد عليه حياته المادية والاقتصادية وحتى علاقاته الاجتماعية ويلوث تعاملاته السليمة، وكل ينكر الفساد ويبرأ إلى الله منه، ويحث غيره على وجوب محاربته، والبعد عنه وحصار الفاسدين وإصلاح ما أفسدوه، وهذا كلام جميل مفروغ منه، فكل شخص مهما كان حاله ومهما كان دوره في المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه يزعم أنه يحارب الفساد، ويناصر الإصلاح ويطلب من الناس أن يكونوا مثله حربا على الفساد حتى احتاج الأمر إلى إنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد والقضاء عليه.
لكن الذي يختلف حوله الناس هو ما هو الفساد، وكيف نعرف أعمال الفاسدين، ومن أين يأتي، ومتى يكون العمل فاسدا أو صالحا، أو حتى ما هو الفساد بذاته، وكيف يميز الناس بين العمل الصالح والعمل الفاسد، فالفساد في الواقع هو عمل مبطن يتلون بلون المحيط الذي يعيش فيه، ظاهره مباشرة الصلاح أو المباح من الأعمال وباطنه تحقيق رغبات شخصية أو اجتماعية وليست مادية فحسب، وميدانه واسع في كل نشاط يمارسه العامة والخاصة أو غير ذلك من الأغراض التي يصعب حصرها. والمقاييس التي تحدد معالم الفساد غير واضحة ويتعلق بعضها برقاب بعض، وكيف يعرف الذين يمارسونه في أي مرفق من مرافق الحياة العامة؟
وهل الفساد شيء ظاهر مستقل بذاته يدركه الناس ويحددون المفسدين، أم إنه أمر خفي ملتبس في كثير من حالاته غامض في مجالاته التي يوجد بها ولا ينكشف إلا حين تسلط عليه أضواء كاشفة تبينه على حقيقته، وتشع على الزوايا المظلمة التي يرتع فيها ويتمدد في جنباتها وتظهر تحتها دروبه ومسالكه وخطوطه العريضة التي تخفى وتلتبس ولا تعرف وتكتشف إلا حين ينظر إليها تحت هذا المجهر الدقيق الذي يميز المتشابهات ويفرز المتقابلات.
وأكبر جهد تبذله الدول والمجتمعات هو تجفيف منابع الفساد وتحجيم المستفيدين منه، ومطاردتهم والحرب عليهم وتشريع الأنظمة والقوانين الصارمة التي تجرم أعمالهم وتحافظ على سلامة المجتمع، وكلما كانت الشفافية والوضوح والمراقبة الواعية قوية ظاهرة معلومة، ضعف عمل الفساد وتلاشت أخطاره عن مصالح الناس جميعا الخاصة والعامة وعن المجتمع، وقام الرقيب الحازم الذي لا تخفى عليه وسائل الفاسدين ومحاولاتهم، والفاسدون ليس فقط أولئك الذين يأخذون ما يستطيعون أخذه بفسادهم، ولكنهم القادرون على إغواء غيرهم ليكونوا معهم في عمل الفساد وممارسته حتى يسهل عملهم وتتسع مجالات فسادهم.
لكن المهم أن الفساد ليس في عمل واحد ولا في شيء محدد، ولكنه قضية اجتماعية عميقة في بنية الثقافة العامة وعويصة تختلط وتتشابك أطرافها وتعشش أغصانها وتختفي ملامحها في الأعمال العامة التي يمارسها الأفراد أو تمارسها الجماعة ويصعب تمييزها في كثير من الأوقات، ولهذا تجد أن الغموض في الأنظمة واللوائح والقوانين المتاحة للناس هي الأرض الخصبة لنمو الفساد وازدهاره وقيام مشروع الفساد الضخم في كل ما يترتب عليه من مصالح.
ولهذا السبب نجد أن الحديث عن الفساد يكثر في الأوساط والمجتمعات التي لا تكون الصورة عندها واضحة في أمر من الأمور، ولا يمارسون دور المنجز، ولا تتضح معالم القضايا أمامهم، ويتسلل الفاسدون إلى أماكن العمل وإلى المصالح المشتركة وتكون مداخلهم في ظاهرها مشاركة في النفع العام، وقد يكون الفاسدون ممن توكل إليهم أعمال مهمة ومن مواقعهم تلك ينطلقون فيما يحتاج الأمر إلى القيام به، والنهوض بالجانب الصعب منه وإذا لم يكن العمل محقا وصالحا كانت الفرصة لدور الفساد ومرتعه الخصب، حيث تخفى معالمه وتبقى فرص الظهور بمظهر الإنجاز والإصلاح هي الباب الواسع الذي يدخل منه الفاسدون.
لا توجد دولة في العالم اليوم شرقه وغربه المتقدم منه والمتخلف، إلا وقضية الفساد ومكافحته جزء أساسي فيما تواجه، ومن أولويات الإصلاح فيها وفيما تكافح من آفات، إلا أنه كلما كان الوضوح والشفافية ظاهرين وبارزين على السطح خفت مداخل الفساد وحوصر الفاسدون.
marzooq.t@makkahnp.com
لكن الذي يختلف حوله الناس هو ما هو الفساد، وكيف نعرف أعمال الفاسدين، ومن أين يأتي، ومتى يكون العمل فاسدا أو صالحا، أو حتى ما هو الفساد بذاته، وكيف يميز الناس بين العمل الصالح والعمل الفاسد، فالفساد في الواقع هو عمل مبطن يتلون بلون المحيط الذي يعيش فيه، ظاهره مباشرة الصلاح أو المباح من الأعمال وباطنه تحقيق رغبات شخصية أو اجتماعية وليست مادية فحسب، وميدانه واسع في كل نشاط يمارسه العامة والخاصة أو غير ذلك من الأغراض التي يصعب حصرها. والمقاييس التي تحدد معالم الفساد غير واضحة ويتعلق بعضها برقاب بعض، وكيف يعرف الذين يمارسونه في أي مرفق من مرافق الحياة العامة؟
وهل الفساد شيء ظاهر مستقل بذاته يدركه الناس ويحددون المفسدين، أم إنه أمر خفي ملتبس في كثير من حالاته غامض في مجالاته التي يوجد بها ولا ينكشف إلا حين تسلط عليه أضواء كاشفة تبينه على حقيقته، وتشع على الزوايا المظلمة التي يرتع فيها ويتمدد في جنباتها وتظهر تحتها دروبه ومسالكه وخطوطه العريضة التي تخفى وتلتبس ولا تعرف وتكتشف إلا حين ينظر إليها تحت هذا المجهر الدقيق الذي يميز المتشابهات ويفرز المتقابلات.
وأكبر جهد تبذله الدول والمجتمعات هو تجفيف منابع الفساد وتحجيم المستفيدين منه، ومطاردتهم والحرب عليهم وتشريع الأنظمة والقوانين الصارمة التي تجرم أعمالهم وتحافظ على سلامة المجتمع، وكلما كانت الشفافية والوضوح والمراقبة الواعية قوية ظاهرة معلومة، ضعف عمل الفساد وتلاشت أخطاره عن مصالح الناس جميعا الخاصة والعامة وعن المجتمع، وقام الرقيب الحازم الذي لا تخفى عليه وسائل الفاسدين ومحاولاتهم، والفاسدون ليس فقط أولئك الذين يأخذون ما يستطيعون أخذه بفسادهم، ولكنهم القادرون على إغواء غيرهم ليكونوا معهم في عمل الفساد وممارسته حتى يسهل عملهم وتتسع مجالات فسادهم.
لكن المهم أن الفساد ليس في عمل واحد ولا في شيء محدد، ولكنه قضية اجتماعية عميقة في بنية الثقافة العامة وعويصة تختلط وتتشابك أطرافها وتعشش أغصانها وتختفي ملامحها في الأعمال العامة التي يمارسها الأفراد أو تمارسها الجماعة ويصعب تمييزها في كثير من الأوقات، ولهذا تجد أن الغموض في الأنظمة واللوائح والقوانين المتاحة للناس هي الأرض الخصبة لنمو الفساد وازدهاره وقيام مشروع الفساد الضخم في كل ما يترتب عليه من مصالح.
ولهذا السبب نجد أن الحديث عن الفساد يكثر في الأوساط والمجتمعات التي لا تكون الصورة عندها واضحة في أمر من الأمور، ولا يمارسون دور المنجز، ولا تتضح معالم القضايا أمامهم، ويتسلل الفاسدون إلى أماكن العمل وإلى المصالح المشتركة وتكون مداخلهم في ظاهرها مشاركة في النفع العام، وقد يكون الفاسدون ممن توكل إليهم أعمال مهمة ومن مواقعهم تلك ينطلقون فيما يحتاج الأمر إلى القيام به، والنهوض بالجانب الصعب منه وإذا لم يكن العمل محقا وصالحا كانت الفرصة لدور الفساد ومرتعه الخصب، حيث تخفى معالمه وتبقى فرص الظهور بمظهر الإنجاز والإصلاح هي الباب الواسع الذي يدخل منه الفاسدون.
لا توجد دولة في العالم اليوم شرقه وغربه المتقدم منه والمتخلف، إلا وقضية الفساد ومكافحته جزء أساسي فيما تواجه، ومن أولويات الإصلاح فيها وفيما تكافح من آفات، إلا أنه كلما كان الوضوح والشفافية ظاهرين وبارزين على السطح خفت مداخل الفساد وحوصر الفاسدون.
marzooq.t@makkahnp.com