الرأي

ديرة المطوع أو مطوع الديرة

عبدالله الجنيد
المطوع (شيخ الدين) كان هو المؤسسة التعليمية والاجتماعية ضمن منظومة مؤسسات المجتمع ما قبل النفط، حيث اضطلع بمسؤولية التعليم والتأديب ومركز فض المنازعات «الزوجية منها بالأخص»، لأن أغلب سكان المنطقة إما كان أحد تلاميذه أو أبا لأحدهم. والمطوع حينها لم يكن عبئا اقتصاديا على المجتمع، فقد كان مؤسسة مستدامة مستقلة اقتصاديا لما يتقاضاه من أجر في تحفيظ القرآن وأصول اللغة، بالإضافة للمورث الشعبي وثقافات بعض الشعوب عبر القصص. وحتى مع ظهور التعليم الحديث لم يتراجع دور المطوع مجتمعيا. حيث كان مطوع منطقتنا رحمة الله عليه الشيخ راشد أحد زوار المجالس بعد صلاة العصر يحث الآباء ويوصيهم بضرورة تعليم الذكور والبنات. ذاك كان زمن مطوع الديرة البشوش والصارم عندما يلزم الأمر، والمؤسسة التي تدفع بالمجتمع للرقي من العمل إلى التعليم.

البحرين كغيرها من المجتمعات الخليجية مرت بجملة التحولات الاجتماعية بما فيها تحول المطوع من مؤسسة مجتمعية منتمية منسجمة «مطوع الديرة» إلى مرحلة «ديرة المطوع» شيخ الدين المؤدلج سياسيا في دول ما بعد الصحوة. والموقف من رؤية «ديرة المطوع» هو من مشروعه السياسي لا العقيدة كما يجتهد بعض أنصاره أو محازبيه في تصوير ذلك، في إنكار حق ممارسة نقد مشروع ليس من باب شيطنته بل الدعوة الصادقة للمراجعة التاريخية والاجتماعية بإخضاعها للقياس العلمي والفقهي. فالمجتمع والدولة يحتكم فيهما لقوانين ترسم العلاقات لا أن تقوم العلاقات على فرضية التحريم والتحليل من منطلقات رؤية فريق يرى في نفسه سنام القيم وحق الوصاية على الدولة قبل المجتمع.

وقد تناولت في مقال سابق هنا تحت عنوان (التحول فيصل الخطاب بتاريخ 21 مارس 2016) حتمية الانعتاق من ثقافة ديرة المطوع لأنها باتت صاحبة مشروع لا يتسق وطموح المجتمع الذي يتوق إلى استعادة دوره ودور مطوع الديرة المنتمي في بناء جسور المستقبل. بآليات حوار تتيح للمختلف معها حق الاختلاف دون توظيف الإقصاء أو التشكيك في النوايا أو صحة المعتقد، فالله سبحانه المطلع على الأفئدة وما غير ذلك هي مشاريع يجب إخضاعها لقياس كونها تمس المجتمع حاضرا ومستقبلا.

جملة تحدياتنا القائمة والمستقبلية تستوجب المجابهة بأشكال وعلوم قد يكون أغلبها مستحدثا، فكيف سيكون حالنا في حال سمحنا بأن يتجاوزنا العالم أكثر بتوظيفه العلوم في حين نناقش جزئيات قطع في أمرها منذ قرون. إن ما يهدر من طاقتنا وجهدنا في الاستمرار في هذا يسيء لنا وبكل ما نمثله عقائديا وإنسانيا، وإن إنكار ذلك لن يخدمنا أو يخدم استقرارنا. عند نشر هذا المقال سيكون الجميع مشغولا بمشروع الرؤية الوطنية السعودية 2030، وكم سنفرح لفرح الشباب بمشروعهم ولن أنسى الترحم على مطوعنا راشد رحمة الله عليه. على فكرة عندما كنا أطفالا كان جميعنا يظن أن اسمه «مطوع» وليس الاسم صنعته.

aljunaid.a@makkahnp.com