كيف تصنع الرؤى؟
الاحد / 17 / رجب / 1437 هـ - 23:45 - الاحد 24 أبريل 2016 23:45
نأتي إلى هذه الدنيا بذاكرة خالية تماما وعقل لم يعمل من قبل، ولكي لا نموت من الجوع أو العطش، كوننا لا نعرف الحليب والماء ولا السبيل إليه، لا نجد حيلة تنقذنا سوى البكاء.
لكن سرعان ما تبدأ الحواس بالعمل، وتستشعر الألوان، المذاق، الروائح، والملمس، ثم تتبعها الذاكرة باستقبال وتخزين ما تتركه الأحاسيس من أثر، عندها تدرك العواطف الدور الذي يمكن أن تلعبه، فتتحكم في خيارات الإنسان وتفضيلاته، حتى يتدخل العقل ويزحف ببطء نحو القيادة، ليضع المسميات لما تلتقطه الحواس، ومن ثم يبعثر تلك المسميات على الطاولة ليلعب معها لعبة «تركيب الصورة أو الـpuzzle»، يصل القطع ببعضها ويتوصل إلى مشاهد جديدة، يطلق عليها مسميات جديدة. يعيد العقل الكرة مع كل موقف أو حدث مستعينا بالذاكرة وما تخزنه من مشاهد ومسميات سابقة، يسمي ويفسر المواقف التي أمامه ويتنبأ بالمستقبل.
من بين ذلك التعقيد تصنع الرؤى، التي يعتقد البعض أنها تعكس الشواهد المرئية فقط، إلا أن الأمر مختلف تماما.
تعكس الرؤية الفهم الذي يبنى على كل ما يراه أو يسمعه أو يشعر بوجوده الإنسان.
يمكن للإنسان أن يرى من خلال ذهنه أضعاف ما يستطيع رؤيته من خلال عينيه وحواسه. فمثلا، يمكن أن يتصور الإنسان في ذهنه «العدالة» بالرغم من أن هذا المفهوم
لا يملك جسما أو مادة كي تلتقطها الحواس، فيصل إلى رؤية واضحة حول صفاتها وخصائصها. من هنا يتجلى الفرق بين العقل البشري وعقل الحيوان، فالأخير توقفت قدراته عند التعاطي مع الأمور المحسوسة فقط.
وعند محاولة تفسير المشكلات، هناك من يعتمد على المسميات التي مر بها واستوعبها مستعينا بمجهوده الخاص في البحث والتحري من دون أن يتبنى أي منظور، إلا أن الكثير منا يميل إلى تبني منظور محدد (نفسي، علمي، ديني، فلسفي، اقتصادي، طبي، القائمة تطول)، لاستعارة المفاهيم منه، كونه يقدم مفاهيم محددة ومعرفة من قبل أساتذة تلك الحقول.
لكل واحد منا منظوره الخاص الذي يبنيه مستخدما مفاهيم معينة (سواء مبتكرة أو مستعارة)، وسيكون لكل منظور تركيز محدد وغاية واحدة. وعند مواجهة مشكلة معينة، فإن الشخص الذي يتبنى المنظور الاقتصادي مثلا، سيستعمل المفاهيم الاقتصادية، ليفسر ما يجري ويتوصل للمسببات ويقترح الحلول. ستختلف مخرجات هذا الشخص عن مخرجات من يتبنى المنظور النفسي مثلا، أو الديني على الرغم من أن المشكلة واحدة.
وليس من الصحيح أن نخطئ بعضنا، فقد يكون الجميع على صواب، إلا أن الدور الأكثر فاعلية سوف يلعبه المنظور الأكثر قربا من المشكلة، فإن كانت المشكلة مالية، فستكون تفسيرات المنظور الاقتصادي لها وحلوله أكثر قربا وواقعية من المنظور النفسي مثلا، لكن لا مانع أن يتقدم المنظور النفسي بمقترحاته، فقد تضيف جانبا ملائما أو تسد نقصا.
ختاما، تتحدد الرؤية من خلال المفاهيم التي نكونها في الذهن وليس ما تلتقطه الحواس، والمنظور الذي نتبناه يمكن أن يوسعها أو يقيدها لتخدم غاية معينة.
almarahbi.h@makkahnp.com
لكن سرعان ما تبدأ الحواس بالعمل، وتستشعر الألوان، المذاق، الروائح، والملمس، ثم تتبعها الذاكرة باستقبال وتخزين ما تتركه الأحاسيس من أثر، عندها تدرك العواطف الدور الذي يمكن أن تلعبه، فتتحكم في خيارات الإنسان وتفضيلاته، حتى يتدخل العقل ويزحف ببطء نحو القيادة، ليضع المسميات لما تلتقطه الحواس، ومن ثم يبعثر تلك المسميات على الطاولة ليلعب معها لعبة «تركيب الصورة أو الـpuzzle»، يصل القطع ببعضها ويتوصل إلى مشاهد جديدة، يطلق عليها مسميات جديدة. يعيد العقل الكرة مع كل موقف أو حدث مستعينا بالذاكرة وما تخزنه من مشاهد ومسميات سابقة، يسمي ويفسر المواقف التي أمامه ويتنبأ بالمستقبل.
من بين ذلك التعقيد تصنع الرؤى، التي يعتقد البعض أنها تعكس الشواهد المرئية فقط، إلا أن الأمر مختلف تماما.
تعكس الرؤية الفهم الذي يبنى على كل ما يراه أو يسمعه أو يشعر بوجوده الإنسان.
يمكن للإنسان أن يرى من خلال ذهنه أضعاف ما يستطيع رؤيته من خلال عينيه وحواسه. فمثلا، يمكن أن يتصور الإنسان في ذهنه «العدالة» بالرغم من أن هذا المفهوم
لا يملك جسما أو مادة كي تلتقطها الحواس، فيصل إلى رؤية واضحة حول صفاتها وخصائصها. من هنا يتجلى الفرق بين العقل البشري وعقل الحيوان، فالأخير توقفت قدراته عند التعاطي مع الأمور المحسوسة فقط.
وعند محاولة تفسير المشكلات، هناك من يعتمد على المسميات التي مر بها واستوعبها مستعينا بمجهوده الخاص في البحث والتحري من دون أن يتبنى أي منظور، إلا أن الكثير منا يميل إلى تبني منظور محدد (نفسي، علمي، ديني، فلسفي، اقتصادي، طبي، القائمة تطول)، لاستعارة المفاهيم منه، كونه يقدم مفاهيم محددة ومعرفة من قبل أساتذة تلك الحقول.
لكل واحد منا منظوره الخاص الذي يبنيه مستخدما مفاهيم معينة (سواء مبتكرة أو مستعارة)، وسيكون لكل منظور تركيز محدد وغاية واحدة. وعند مواجهة مشكلة معينة، فإن الشخص الذي يتبنى المنظور الاقتصادي مثلا، سيستعمل المفاهيم الاقتصادية، ليفسر ما يجري ويتوصل للمسببات ويقترح الحلول. ستختلف مخرجات هذا الشخص عن مخرجات من يتبنى المنظور النفسي مثلا، أو الديني على الرغم من أن المشكلة واحدة.
وليس من الصحيح أن نخطئ بعضنا، فقد يكون الجميع على صواب، إلا أن الدور الأكثر فاعلية سوف يلعبه المنظور الأكثر قربا من المشكلة، فإن كانت المشكلة مالية، فستكون تفسيرات المنظور الاقتصادي لها وحلوله أكثر قربا وواقعية من المنظور النفسي مثلا، لكن لا مانع أن يتقدم المنظور النفسي بمقترحاته، فقد تضيف جانبا ملائما أو تسد نقصا.
ختاما، تتحدد الرؤية من خلال المفاهيم التي نكونها في الذهن وليس ما تلتقطه الحواس، والمنظور الذي نتبناه يمكن أن يوسعها أو يقيدها لتخدم غاية معينة.
almarahbi.h@makkahnp.com