الرأي

«الرؤية السعودية» 2030.. قطار مسؤولية ومصلحة المواطن الفرد

هادي الفقيه
(عزيزي السعودي.. تعلم ثقافة launch Box وبطاقة المترو)..

تتأهب الأمة والدولة السعودية لمرحلة جديدة في تاريخها، مع إعلان الرؤية المستقبلية للبلاد أو ما أعلن عنه باسم «الرؤية السعودية 2030»، والتي تهدف إلى صناعة دولة أكثر قوة، تواكب التحديات الداخلية والخارجية وتصنع مؤسسة اقتصادية ـ سياسية قوية تقدم منتج رفاه مختلفا عن الذي تعود عليه ثلاثة أجيال من السعوديين منذ الطفرة الاقتصادية الأولى.

هذا التحول هو ضرورة وليس خيارا، ويبقى رأس الحربة عندما يكون صانع القرار متيقنا لهذه الضرورة فيؤمن بفكرة الانتقال إلى مرحلة جديدة، ثم الآلية مع الأخذ في الاعتبار:

1. أفضل الطرق والممارسات.

2. الاعتماد على حلول وبرامج مبتكرة وغير مسبوقة.

3. الانطلاق من قاعدة فهم واقع الحال المبني على الدراسات والإحصاءات الحقيقية.

أما السؤال في الشارع يبقى: ماذا يدفعنا إلى التحول؟

الإجابة على هذا السؤال بالرأي، ليس مجديا لأمة متعلمة ناضجة، تقارب نسبة الحاصلين على درجة البكالوريوس 48 % من السكان، بينما ابتعثت 180 ألفا إلى جامعات 30 دولة في قارات العالم الست، إذ سيبلغ عدد الخريجين منهم منتصف شهر أغسطس المقبل نحو 70 ألفا.

أين يمكن أن نجد الإجابة؟

نشرت معظم الصحف السعودية المطبوعة والالكترونية بمساحات مختلفة تغطية مميزة لمحاضرة «السياسة الشرعية في تقدير المصلحة العامة»، ضمن فعاليات برنامج «على طاولة الحوار الأكاديمي» في جامعة المؤسس، للبروفيسور الأمير عبدالعزيز بن سطام مستشار خادم الحرمين الشريفين والأستاذ في المعهد العالي للقضاء، ويجد القارئ المتعمق كثيرا من الإجابات التي تشغل الشارع السعودي عن تحول الدولة والشعب وحياة المواطن الفرد خصوصا.

ابن سطام الذي رقي الأسبوع الماضي، إلى أعلى درجة علمية، يعمل أستاذا للسياسة الشرعية، صناعة السياسات، متخصص في الإدارة الاستراتيجية وخبير في علم الأنظمة والقوانين. وبرغم عمق طرحه إلا أنه يؤخذ عليه صعوبة لغته التي يفهمها المتخصصون أكثر من رجل الشارع الذي يحتاج تبسيطا.

محاضرة ابن سطام و«الرؤية السعودية 2030»، يلتقيان في صناعة سياسات تنعكس على حياة الناس، انطلاقا من قاعدة المصلحة العامة، إذ يقول «المصلحة العامة هي القدرة على تحويل المصلحة لأكبر حجم من المصلحة الخاصة، وهذه المعايير يجب أن تتكامل لتحقيق المصلحة العامة». ورغم اعترافه أن العلاقة معقدة بين المصلحتين العامة والخاصة يُنجب البحث حقيقة ألا تهدر المصالح الخاصة بمطرقة المصلحة العامة، وهو ما يبدو ـ توقعاـ واحدا من توجهات الرؤية.

أبسط الأمثلة على تطبيق ذلك على الواقع السعودي يكون برفع القيد عن قيادة المرأة، فالضرر العام ـ حسب اعتقاد البعض ـ الغير متفق عليه بالإجماع، ليس أهم من أن تقضي أنثى حاجاتها إما عمل أو غيره باستقلال سيارتها الشخصية وهذه مصلحة خاصة.

تقديم رؤية لتكون توجه دولة نحو المستقبل، تولد من رحم فكر إداري مشغول بالتحديات، وما يميز المدرسة الإدارية الاستراتيجية، تبني أفكار جديدة تناسب كل مرحلة، مع الأخذ في الاعتبار المدى القريب والبعيد، وربما يتطابق مع ما قاله مستشار الملك في محاضرته واصفا علم الإدارة اليوم بأنه «أصبح الأساس فيه التغيير وعدم الثبات وذلك يتطلب مزيدا من المعرفة»، لذا إن بقي جسد الدولة على فكرة نمطية تقليدية لا ينمو ويستمر فسكة الأمس لا تصلح لقطار المستقبل.

وبحسب ما يظهر عطفاً على حوار الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع مع شبكة بلومبيرج، فإن إدارة الدولة تتجه إلى تغليب أجندة المواطن أكثر، وبذلك تكون صنعت سياسات تلجم استفادة الشركات الكبرى، على عكس ما يحدث في الولايات المتحدة، إذ يعترف تومس دايا أستاذ صناعة السياسات في جامعة ولاية فلوريدا أن «المرشح الرئاسي لا يتخذ الخطوة الأولى قبل أن يؤكد لممولي حملاته (الشركات) أنه سيدعم سياساتهم عندما يصبح رئيسا». ومعلوم أن على رأسها شركات التأمين، الأدوية والأسلحة.

ربما تعتبر تلك الخطوط العريضة من ناحية الدولة لكن ماذا عن المواطن، ومن وحي ذات التصريحات لولي ولي العهد، وأطروحة مستشار الملك، يظهر أن مسؤولية المواطن جزء مهم من تنفذ الرؤية بأن يكون مراقبا لا ينسحب في الفساد ومنتجا يودع عهد التسيب وقلة الإنتاجية في العمل، فبقدر ما تعمل تبقى أولا ثم تأخذ ثانيا.

رفع الإنتاجية وقوة المنتج الذي سيقدمه موظف الدولة سيرفع رضا المواطن أو المقيم (المستهلك) ما سيخلق قوة اقتصادية بأن يكون المستهلك منتجا أيضا وما يعزز ذلك ما أورده الأمير عبدالعزيز في محاضرته «مقابل إنتاجية المستهلكين وتحولت القوة الاقتصادية من إنتاجية العاملين إلى إنتاجية المستهلكين وتحولت القوة من كم تملك من الثروات؟ إلى كم تملك من المستهلكين؟»

التغيير والانتقال من مرحلة إلى أخرى تغيير في طريقة رؤية العقلية الجمعية نحو تحديات المستقبل لتكون مع القيادة في مركب واحد، وهي واحدة من النقاط التي شدد عليها مستشار الملك في ورقته البحثية، قائلا «المنشآت الإدارية ليست مهيأة لرؤية منافع الأفراد كلا على حدة، ولديها ميل نحو افتراض التعارض المبدئي بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة كما أن التوفيق بين المصلحة العامة والخاصة، لا يدخل ضمن تقييم أداء المنشآت الإدارية غالبا وإن تكامل المصلحة العامة والخاصة، يخرج عن نطاق عمل المنشأة الإدارية».

ربما تطرق الأمير عبدالعزيز للقضية فكريا وبحثيا لكن واقع الحال، يدفعنا للتفكير في معالجة فكرة شائعة لدى كثير من مؤسسات وبرامج الدولة الحالية والسابقة التي تطلق مبادرة دون وضع بنية تحتية، فالمطالبة بالرقابة، تحجيم الفساد ورفع الإنتاجية يحتاج تهيئة المنشآت ومن يعملون فيها يجب أن يسبقه تدريب وتأهيل وإعادة النظر في الكفاءات الحالية، وربما السعودية محظوظة بكم كبير من الشبان والفتيات الخريجين من الجامعات الداخلية والعالمية.

لن تكون الرؤية الجديدة، أمرا سهلا على شريحة تعتبر واقعا معيقا لكثير من التوجهات الإصلاحية التنفيذية داخل مؤسسات الدولة التي لا تؤمن بالتغيير أو الابتكار، أو ما يطلق عليهم «القطار الذي لا يمشي إلا على سكة»، لا يؤمن إلا بطريقة واحدة، يتخلى البعض عنها عندما يشعر بالخطر ثم يرتاح للمنطقة الجديدة فيستغرب رفضه السابق. لذا لا حل إلا رفع البطاقة الصفراء، ثم الحمراء ليمضي قطار الدولة القوية المتجددة.

الرؤية في مجملها تقود إلى مرحلة انتقالية، وصانع القرار الذي لا يقرأ المستقبل يصطدم بواقع مرير فجأة قد يتداركه وقد يغرق، لذلك هذه الرؤية مبعث أمل لأنها برنامج عمل هادف يضع خطة لمعالجة مشكلة تواجه الناس وهذا لب السياسة وفقا للدكتور جمس اندرسون.

أما السعودي غدا فعليه من اليوم أن يتصالح مع ثقافة أن يحضر الغداء إلى مكتبه في صندوق حفظ الطعام launch Box، ويودع الخروج من العمل في الـ2:30 ظهرا، لأن كل ساعة إنتاجية تعني الكثير، ويتعلم استخدام وسائل النقل العام وعلى رأسها المترو مستقبلا ليبقى في المستوى المعيشي الذي عرفه إلا أن كل ذلك سيكون تطورا يواكب التحديات ولن يخطف منه أساسه المتين في حب الكرم فمن كانت خيمته مفتوحة قبل النفط سيكون بيته مشرعا بعده.

متخصص في الاتصال الاستراتيجي