الرأي

شغل البيت

محمد أحمد بابا
وجدت في أعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا وما استقر عليه تواصي السلف الاجتماعي مع الخلف الجمعي ممن عايشتهم وأعرفهم وهم يروون عن الذين سبقوهم ويؤكدون ويعضدون في شأن قيام المرأة بالخدمة المنزلية ومسؤوليتها عن ذلك، وكون أمر أشغال البيت من اختصاصاتها حتما، حتى غدت من مسلمات الأمور التي انبرى قومٌ ـ وإن قلوا ـ يفسحون للاستدلال الشرعي مجالا من بعيد أو قريب ليدرجوا طهي الطعام وغسيل الملابس وتنظيف المقاعد والحجرات وإعداد الفرش ونحو ذلك من حقوق الزوج على زوجته، وتوسع بعضهم لتضحي هذه الأمور من حقوق الأخت على أخيها، ونال بعضهم من الأمومة وجعلها حقا للولد على أمه ولو كبر أو كبرت، واطلعت بنفسي على أكثر من أهل قضية في المحاكم مرفوعة من زوج على زوجته يتهمها فيها بالتقصير في الواجبات المنزلية التي ذكرتها، ومثل غيري عشت زمنا وأنا وإن مررت على النصوص الاستدلالية في حقوق الزوجين موقنا بأن العادة محكمة، وبنيت على ذلك توازن رؤيتي للحياة الارتباطية وتقييمي الإقصائي لفلسفة المعاملات داخل البيوت، وغدا المجتمع يستغل نصوصا دلت على التزام المرأة بأوامر زوجها واستئذانه في تصرفات حياتها كالخروج أو السفر أو إدخال أحد للبيت لينسحب ذلك على أن الزوج هو الحاكم بأمر عقد عقده مع وليها لتتفرغ للخدمة المنزلية وحدها بعد أن كانت تشارك على الأقل أخواتها وأمها في ذلك، ومن أبت أو تمنعت ربما قال بعضهم عنها بأنها قريبة من حمى غضب زوج يلزم لعنا وطردا من رحمة الله ـ والعياذ بالله ـ ورغم أنني لم أقف على من يدلني على أصل اعتمد عليه من يقول بذلك، والقائلون به هم ذو علم ووعظ وإرشاد وربما استفتاء إلا أنني لم أقف في اطلاعي القليل المتواضع على ما يشجع على الاستمرار في الظن الذي كنت أسير به بأن شغل البيت مهمة المرأة دينا ووجوبا.

لذلك أقول: من يقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعامله مع زوجاته أمهات المؤمنين ووصيته بالنساء خيرا بل وطريقة سلوكه مع خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه يقع في قلبه بما لا يدع مجالا للشك بأن عقد الزوجية والالتزام للعيش في مكان واحد لا يعني استصحاب وجوب للخدمة في أي شيء يخص الرجل أو بيته أو وولده إلا ما كان من قبيل المعاشرة بالمعروف والحب والكرامة، وذلك من خصائص النفس البشرية المسلمة التي تتعاون على الخير وعلى البر والتقوى، فيكاد ينعدم ما نقرأ في السيرة والتاريخ النبوي ما يدل على أن خلافا وقع بين زوجين لأجل هذا وحكم فيه النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعده من الراشدين بحكم شرعي ديني بأن الزوجة عليها كذا أو كذا من هذا القبيل.

صحيحٌ بأن العرف والعادة وطبائع المسؤوليات قضت بذلك وفي الشرع مساحة لاحتواء ذلك لكن أسر المرأة بالتخويف من اللعن والنار إن هي لم تعد طعاما للزوج أو لم تنظف غبار بيت ونحو ذلك فيه تدليس بيان.

ألم تر الله تعالى يقول (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) وهو ولدها وإن طلقها أبوه، فكيف بما هو أقل من ذلك، والعمدة بأن نفقة الزوجة على زوجها هو مسؤول عنها بكتاب رب العالمين ولا ينقص من تلك النفقة ولا يحجبها خدمة منزلية حصلت أم لم تحصل.

وما قصدته أن يكون هذا التكليف للنساء المتزوجات من قبيل الواجب الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه لا من قبيل ما ترغبه أو يرغبه أو يرغبانه، وأما الأخت والأم تجاه قرابتهما فذلك أبعد وأنفى، فلنعتذر بكل جرأة لكل أنثى فهمت من وليها أو زوجها وجوبا قرنته بطاعة الله فقدمت إجادة عمل (الحلويات) على إجادة إقامة (الصلوات).