الرأي

كثيرون يولدون مرات!

تفاعل

فارس محمدعمر
ولدتُ جسدا وكبرت. بدأت أقلب طرفي وسمعي وخيالي، فتخطفتني أفكار مهرولة حولي. جربت أتطلّع وأتلفّت وأشير، ففاجأتني قرارات تتسابق أمامي. بحثت عن قلبي وتلمست نفسي، فتهافتت مشاعر من كل صوب. هل أصبحت، كما يتهامسون، هامشا تالفا؟

أملك رأسا وحواس وجسدا، أعيش كغيري، فما الذي يحصل؟ أسماء، نبرات، أحداث، تجارب، ما خضتها لتنمحي بلا معنى ولا أثر، فأنا يقظ أعرف وأدرك. لا، لم تنمح قناعاتي بل سرقت! هذا ما حصل ولا تفسير سواه، والسارق ألف أفعاله وأعذاره فنسي نفسه! ضعف الحيلة حاصرني فأذعنت لكل قائم وهامد، لكل شبح وجامد. بل كان وباء وقتما تحركت مناعتي بلا لقاح ولا غذاء ولا وقاء، فكان الميلاد الثاني صراعا ما أشد وطأته وطوله، لكن العدوى لم تنل من فطرتي ولم تصل جوهري، بل أصابت أطرافي.

كدت لإذعاني أن أنشد من حولي العلاج لعقلي وقلبي ونفسي، لكنني ارتكزت فلم أسقط، نبهني ألمي أن المرء المبصر طبيب نفسه. سر علاجي إذن مني لا من غيري. وحده الأرعن ينكر الدواء.

لا أعرف مصادر العدوى وظروفها. بلى أظنني أعرف، لكن المراجعة، وهي أول الشفاء، ألا أحصي فأتعب، ألا أذكر فأغص، ألا أنسى نفسي. أشك أنني أعرف، فالإرادة، وهي جل الشفاء، أن أصمت وأدرك، أن أصبر وأتغاضى، أن أحفظ وقتي. لا لست أعرف، لأن الحقيقة، وهي تمام الشفاء، أن أتدبر وأتأمل، أختار وأقرر، أعيش مستغنيا.

وجدت نفسي على سلم السعادة، وإذا محفور فيها: «هنا تمر بأحياء وأموات وأحوال ومتاع مرور الكرام، لا تعطل ولا تتعطل، وتواصل الارتقاء». وإذ بي صحيح واع مطمئن بعد ميلادي الأخير!

ومضى كياني سابحا مغنيا مستبشرا باسما: إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء!