الرأي

استغماية مسؤول!

فهيد العديم
(الاستغماية) لعبة طفولية شهيرة في أغلب الدول العربية، يلعبها الأطفال – البنات غالبا – في المنزل، وهي ببساطة: يغمض الطفل عينيه لوقت يتيح للاعب الآخر الاختباء، ومن ثم يفتح الأول عينيه ويخمّن المكان ويبدأ البحث..

لكن الملفت بهذه اللعبة رغم (طفوليتها) أنها أصبحت اللعبة المفضلة (للكبار)، والغريب أنها لم تفقد متعتها - على الأقل لمراقب (متحلطم) مثلي! - فالمسؤول مثلا (يستغمي) عن رؤية مشكلة صغيرة تمر من بين يديه لتذهب وتختبئ في أحد الأقسام على مرمى بصر لا بصيرة من عين معـ..(مع مين)؟ أقصد (سعادته)، ويبتسم كأنه لم يرها – وهنا تكمن متعة اللعبة - فيتركها حتى تكبر ثم يبدأ (شغل الإنجازات) فيأمر بتكوين اللجان الرئيسية التي تقرر عدد اللجان المنبثقة منها، والتي بالطبع تحتاج للجان مراقبة اللجان و(يا ليل ما أطولك) وترجمتها بالفصيح (يا ليل الصب متى غده..) بصوت شاعرها القيرواني وليس بنغم أم زياد، وغالبا اللعبة لا تنتهي بفوز ولا هزيمة أحد، فالأطفال ينشدون المتعة في اللعب لا النتيجة، ويبدو أن أصحاب السعادة دائما يدللون الطفل بداخلهم، وإذا سأل أصحاب (الشقاء) أصحاب (السعادة) السؤال العظيم: (وين كنتوا..وليش ما كبرتوا أنتو..؟) فإن الرد يأتي متموسقا: (نْسينا.. واللي نادى الناس..تـ يكبروا الناس.. راح ونسى ينادينا).

وينطبق على (استغماية الكبار) المثل العربي الشهير (وين أذنك يا جحا)، وجحا ما زلتُ أصر على أنه شخصية رمزية رغم إصرار مكي بن إبراهيم البلخي على أن جحا العربي (أبو الغصن) رجل كيّس ظريف يتحامق لحاجة في نفسه (نفسيّة غفر الله له وجمعه مع المسؤولين بمستقر رحمته)، الأهم في المثل أن جحا يقال إنه عندما يطلب منه أن يضع يده على أذنه فإنه يضع اليد اليمنى على الأذن اليسرى، والعكس، كناية عن التعقيد وسلوك الطرق الملتوية بدلا من المباشرة، لكن الجميل أن العم جحا يفعل ذلك دون أن يغمض عينيه!

الفرق بين (أبو الغصن) و(الجحويين الجدد) أنهم يضعون أيديهم على الأذن المناسبة ثم يتركونها للأبد، ويصرون على أنهم يسمعون دبيب الموظف الذي لم يأت في ممرات الأرشيف المهجورة، بل إنهم يشكلون اللجان كي تصل لنتيجة أن الموظف المتغيب منذ (سنة الجراد) ما زال قابعا على مكتبه الآن، وإن لم تصل اللجنة لهذه النتيجة فهي فاشلة ويلزم حلها وتشكيل لجنة جديدة، وهذا ما لا يحصل غالبا، ففي العادة اللجان تنجح في الوصول للنتيجة التي يتوهما المسؤول، وكيلا أتهم أنني من هواة جلد الذات (معاذ الله.. فأنا لا أؤمن بوجودها أصلا فكيف أتجرأ بجلد ما هو غير موجود) فللأمانة أننا (ننجح) غالبا إن لم يكن دائما في الوصول لاستنتاجات خاطئة، وهذا ما أتمنى أن يصل إليه قارئ هذا المقال، فأنا أخاف دوما من أن (يفهمني الآخرون صح)!