الرأي

الدنيا ربيع!

إبراهيم عباس نتو
الربيع وصل، والخير حصل. فهو أجمل فصول العام، وفرصة للبسمة والبهجة والاحتفال عبر الأجيال وفي مختلف الأرجاء والأحوال.

وبعامة، فإن بداية فصل الربيع انبثاق الحياة في المجتمعات القديمة والتاريخية. وكذا كان - ولا يزال- في اليابان... فتبدأ هناك أوجه ونشاطات الحياة، ببدايات الربيع، فتشمل الميزانية العامة، وبداية العام الدراسي بمختلف المدارس والجامعات.

ولقد تم اشتهار اسم «النوروز» في منطقتنا الشرقية.. كمطلع ومعلم، وكباكورة لموسم الربيع.. بل و»السنة الجديدة».

و»النوروز» احتفال تاريخي موغل في القدم، وانتشرت فعالياته في مواطن في أواسط آسيا، وأنحاء كوردستان، وأفغانستان وأرجاء الإمبراطورية الساسانية. ومناسبة النوروز تواكب بدايات الحياة المتجددة بعد انتهاء سبات يطول في فصل الشتاء، وبدايات فصل الربيع.. وبدء انبثاق وانتشار الزهور والأعشاب، والعديد من النباتات والأطياب.

وأصل لفظة «النوروز» يتكون من لفظتين: «نو»، وتعني الجديد؛ و»روز»، وتعني «اليوم أو الأيام؛ و بالتالي فلفظة «نوروز» تعني اليوم الجديد. ومنها جاءت «روز.نامة»، اللفظة ذائعة الاستعمال في عموم الشرق الأوسط وتعني سجل أو كتاب الأيام؛ أو ما نسميه في منطقة الخليج العربي وعدد من دول الوطن العربي بالتقويم، سواء في التقويم الدراسي أو المسرد المطبوع المبين لكامل أيام السنة.

إلا أن توقيت النوروز وبداية الربيع كان ولا يزال يعني عند الأمم القديمة: بداية الأشياء ودورة الحياة، وهذا يشمل الهند القديمة وإيران وكوردستان وأفغانستان، حيث يستعمل التقويم الهجري الشمسي، فالعام 2016م هو 1395 هـ ش= هجرية شمسية.

وتأخذ بتقويم «النوروز» عدة ديانات، منها الزرادشتية بالطبع، لكن لحقت بها الديانة البهائية التي انبثقت منذ 169عاما، في الأخذ ببدايات الربيع، ولو أن مناسبتهم «عيد الرضوان» تبدأ في 21 من أبريل.

وبعامة، فإن بداية فصل الربيع، وانبثاق الحياة في المجتمعات القديمة والتاريخية بيوم 21 من مارس؛ ومعه تبدأ فترة احتفالية بهيجة، مثلا في فارس وما حولها وتدوم لـ13 يوما، وتنتشر في المدن والضواحي والأرياف. ومن سماته هناك خروج العائلات في الهواء الطلق في الهضاب والوديان وسفوح الجبال.. في «خرجات /كشتات» خلال فترة أسبوعين تنتهي بيوم 4/4: اليوم الرابع من شهر أبريل.

وتمضي طقوس للغذاء في هذه الفترة في تلك البقاع، بسبع أكلات ربيعية تبدأ كلها بحرف «السين»، تسمى «السينات السبعة» المشيرة للخضروات السبعة: 1.»سنجد؛ نوع من النبق أو العناب؛ 2. سماق: وهو خضرة السماق المشهورة؛ 3. «سركي» وهو الخل؛ 4. «سيب»، وهو التفاح؛ 5. سمانو، وهي حلوى القمح؛ 6. سَكِّه وهي كمية من النقود/العملة (وأتصور أن من هذه الأخيرة جاءتنا إلى العربية فكرة وعبارة «سك» النقود)؛ وأخيرا: 7. سوغار.. سوگر؛ و هو مشروب. (لعل اللفظة هذه من أقارب كلمة سكر بالإنجليزية؟)

لقد كان الشاعر المشهور البحتري قد قام بتخليد لفظة وفكرة «النوروز» بقصيدته الشهيرة التي حفظناها جميعا في مناهج الأدب بمدارسنا العامة وفي الجامعات في أنحاء الأمة العربية، وذلك حين جاء في مطلعها

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد أن يتكلما!

وقد نـبـه النوروز في غسق الدجى أوائـل ورد كن في الأمس نـومـا!

وعندنا أيضا يبدأ «فصل الربيع» مواكبا لهذه الفترة، وتأتي أيامه مطبوعة في (روزنامة) /تقويم «أم القـرى» مثلا وذلك لكافة المواطنين وبالأخص للمشتغلين في قطاع الزراعة والمتابعين للأنواء الجوية بما يهم الفلاحة من بذر وسقيا وحصاد.

وبالطبع قد مر علينا في مدارسنا أن عدة فصول الطقس 12 فصلا تبدأ مع بداية الربيع بفصل «الحمـل» وتتدرج فتنتهي بفصل «الحوت»:

1. الحَـمـَل؛ 2. الثور؛ 3. الجوزاء؛ 4. السرطان؛ 5.الأسد؛ 6. السنبلة؛ 7. الميزان؛ 8. العقرب؛ 9. القَوس 10. الجَدِي؛ 11.الدلو؛ 12.الحوت. (وهي نفس أسماء «الفصول» التي يتداولها الشباب، وخاصة البنات.. في كافة أنحاء العالم الشرقي والغربي، في مجال التسلي بالبخت واحتساب الطالع فيما يتصل بعيد ميلادهم).

وأذكر أني حفظت تلك الفصول في درس من حصصِ السيد علوي عباس المالكي بالمسجد الحرام وبمدرسة الفلاح مسرودة بكاملها في بيتين موزونين، كالآتي:

حمل الثور جوزة السرطان ورعى الليث سنبل الميزان

ورمى عقرب بقوس لجدي نـزح الدلـو بــركـةَ الحيـتان

شاعرنا الفذ البحتري خلّد فكرة الربيع وربطه بمطلعه المبهج؛ وشيخنا الفاضل المالكي علَّمنا كيف نسرد بشمولية وبجرس إيقاعي كامل منازل الطقس الـ12 طيلة فصول السنة الأربعة التي تبدأ بالربيع.

فمع بدء الربيع في 21 من مارس، عسى أن تخلد البسمة على وجوهنا، وأن تنتشر البهجة في نفوسنا؛ وأن يعـم السلام والشعور الوثاب المفعم بالحيوية والنشاط في كل يوم من أيام روزنامة السنة ثم على مدار الأعوام.

وعسى يعم السرور الأكوان، ويشع بالبهجة الأوان!